للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العربية طائفة صالحة من الألفاظ والمسميات مما يتعلق بالعلوم أو بحاجات المعيشة والأرزاق، كما أننا الآن نأخذ منهم بعقل وبدون تعقل، وبفكر وبلا تروٍ حتى أصبحنا عالة عَلَى تلك الألسنة الأعجمية فيما قد نجد له بديلاً وعنه غناء في لغتنا. دع عنك الألفاظ التي يتواضع العلماء عليها لأغراض مخصوصة أو لمستحدثات لم تكن معروفة، فهذا النوع من الألفاظ ملك شائع لجميع بني الإنسان. وهكذا سنة الله في خلقه: يوم لنا ويوم علينا، (وتلك الأيام تداولها بين الناس).

وأنا أملي (أستغفر الله) بل الواجب علينا جميعاً معاشر الناطقين بالضاد، وأهل مصر عَلَى التخصيص، أن نتضافر ونتعاون في هذا العصر العباسي الزاهر وفي ظل مليكنا الرحيم وبعناية رجال حكومته الحاضرة، فنكون عصبة واحدة ونعمل عملاً متواصلاً متوالياً حتى يسنا لنا إحياء آدابها لتجديد العلوم فيها، ولإيجاد بواعث الارتقاء المنشود. فتلك هي لعمري الخطة الوحيدة التي تجعل لنا مقاماً كريماً بين الناس، كما كان لأجدادنا السابقين إلى الغايات.

أيها السادة

سبق لهذا العاجز الذي يناجيكم الآن أنه ألقى محاضرة بين يدي سيدي العباس بمناسبة افتتاح الجامعة المصرية. وقد أبنت فيها أن أهل الإسلام إنما تسنموا ذروة المجد بالرحلة إلى الأمصار وبقطع البحار وعملاً بالأمر الرباني الذي اوجب علينا المشي في مناصب الأرض، والسعي في طلب الرزق، والرزق عَلَى معنيين: مادي وأدبي، كما لا يخفى.

عمل أسلافنا بهذه الآية الحكيمة فنالوا ما نالوا، وعكسناها فصرنا إلى ما صرنا هؤلاء نحن نرى مئات المصريين إذا جاء القيظ يقولون هلم بنا إلى أوربا للاصطياف! هذه رحلة الصيف التي كانت لإيلاف قريش! وفاتهم أن رحلة الصيف كانت لكسب المال الحلال من التجارة، وللاستفادة من المنافع المرتبطة بالارتحال: أما قومنا الآن، فالسواد الأعظم منهم يهرع إلى أوربا في كل عام، وأنتم أعلم بالغرض الذي يرمون إليه وبالهدف الذي يترامون عليه وحواليه. أهم ينفرون خفاقاً وثقالاً (أستغفر الله) بل خفاقاً متأبطين ما خف حمله وثقلت موازينه، يحملون ورقاً يغني عن الورق تكذيباً للشاعر الذي قال لممدوحه:

أهديتني ورقاً لم تهدني ورقاً ... قل لي بلا ورق ما ينفع الورق