ولو عاش هذا الشاعر إلى عصرنا لاكتفى من ممدوحه بالتوقيع عَلَى ورقة من السفاتج (التي يسميها أصحابنا بالكمبيالات) أو من المصرف الذي يخزن فيه أمواله بإمضاء عَلَى شيك من الشيكات، تلك الكلمة الثانية أصلها عربي عن اللغة الفارسية فهي الصك وجمعه الصكوك أخذ الإفرنج هذا اللفظ عن العرب في جملة ما أخذوه عنهم من اصطلاحاتهم التجارية والمالية فقال شيك
أصحابنا يهجروننا في الوقت الذي تحتاج فيه زراعاتهم إلى عنايتهم! وفي ذلك ما فيه من الضرر عليهم وعلى بلادهم! ناهيك أنهم لا يتشبهون بالطير! تغدو خماصاً وتروح بطاناً. وأما أصحابنا فيتهافتون عَلَى أوربة بطاناً وقد تأبطوا ما جمعوه أو اقترضوه من المال ويرجعون إلينا خماصاً بل صفر الوجوه، صفر الجيوب.
أفرأيتم أولئك الفلاحين الذين أغناهم الحظ، وهم لا يكادون يفقهون لغة أمهم وأبيهم، أفرأيتموهم حينما يقولون: إنا ذاهبون إلى البلد الفلاني لأجل الكور يقولون في أفواههم ما ليس في قلوبهم كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون وما هي الكور (الاستشفاء والتدبير الصحي) كلمة سمعوها فأعجبتهم غرابتها واستعملوها ولا يدرون لها معنى ولا يقيمون لها وزناً ولا يعملون عَلَى تحقيقها فعلاً وعملاً!
غير أنني في هذا الشهر المبارك شمت بارقة من الأمل ولعلها مبشرة بغيث ينهمل في المستقبل، وأعني به المستقبل القريب.
فقد تشرفت وجمهوراً كبيراً (الواو هنا واو المعية) من أكابر الموظفين بتناول الإفطار أمس عَلَى طاولة الخديوية في حضرة ولي الأمر في مصر حفيد محمد علي ولا فخر، الجالس عَلَى نحت المعز وبنية القابض عَلَى صولجان صلاح الدين وذراريه، الوارث لتاج الظاهر، المتحلي بإكليل النصر، المستوي عَلَى عرش المؤيد، المتبؤ لأريكة الأشراف، مولانا وولي نعمتنا المقر الأشرف الحاج عباس حلمي الثاني محيي الآداب، العربية.
فقد حدثنا عن إعجازه بفتى من فتيان مصر رآه يجول في جبال الألب فيما بين فرنسا وسويسرا منقباً في بطون الوهاد منقراً فوق ظهور الأنجاد مستجوباً صياصي الأجبال. وغايته من ذلك أن يتعرف ما أبقاه العرب هنالك من المآثر والآثار أو ما تركوه من الرسوم الدوارس والأطلال.