لم يكتف المليك بهذه الرعاية التي تتطال نحوها رقاب المجتهدين من أبنائه، بل بالغ في الفضل فأوصى رجال حكومته بأنة يساعدوا هذا الرجل (وهو محمود بك سالم) عند عودته ليتمكن من إتمام عمله الجليل وسعيه المشكور فيما يرجع بالفائدة عَلَى مصر خصوصاً وعلى الشرق عموماً.
لا ريب عندي أن رجال الحكومة فاعلون لأنهم يقدرون كل عمل نافع حق قدره ولأنهم قادرون عَلَى تعضيد كل مشروع مفيد.
ولم أر في عيوب الناس عيباً ... كنقص القادرين عَلَى التمام
كيف لا والإشارة صدرت من الأمير أدام الله لنا وجوده، وأتم عليه نعمته وأيده بروح منه حتى يكون حكمه السعيد مرشداً إلى سر التقدم الذي نبتغيه لتجديد المكارم بفضل حشمه ورجاله الذين وهبهم الله من العلم والحلم ما يؤذن برفع شأن الأمة المصرية.
لهذا السبب أردت أن أتعجل في القيام بالمفروض علي من امتثال هذه الإشارة والعمل بها فيما يدخل في دائرتي ويصل إليه مقدوري.
أردت أن أمهد الطريق أمام ذلك الصديق. حتى إذا ما عاد بالسلامة محمود بك سالم وجد النفوس متشربة بفائدة المشروع ورأى الأرض صالحة لهذا الغرس الطيب. فيكون شعارنا كلنا: حيَّ عَلَى عمل الخير!
ذلك هو البعث الذي نبتغيه بعد أن طال السابت، ذلك هو النشور الذي ننشده للشرق! فالحياة تتجدد في كل يوم عن يمينه في الشرق القصى وعن شماله في أوربا وأميركا وهو جامد في موقفه كأنه في البرزخ. أفلا تكون حركة من وراء هذا السكون؟
نعم فالحركة من مميزات الحياة. ونحن والحمد لله فينا بقية وإن كان بعض الناس ينظر إلينا فيخالنا كالنائمين في البراري، أو كاهل الكهف؟
بماذا تتجدد الحياة في الشرق
بالرحلة لعمري! كما ابتدأ دبيبه انتعشت بها الأمة العربية في أيام الأمويين والعباسيين. فمن المعلوم أن الوسيلة الواحدة تنتهي دائماً إلى غاية واحدة وأن المعلوم يدور مع العلة وجوداً وعدماً.
فلعل هذه الخطة الجديدة التي كنت ولا أزال أسعى وراءها منذ ربع قرن تصبح سنة بيننا