وأنا اليوم عَلَى يقين من تحقيق الأحلام. فالداعي إليها اليوم ليس أحد أفراد الأمة وإنما هو صاحب التاج، والناس عَلَى دين ملوكهم.
هذا وإنني لا أبيع الحكمة إلا بحسن الاستماع ولا آخذ عليها ثمناً إلا فهم القلوب وهذا كما ترى!
يطربني وأيم الله أن أرى هذه السنة الجديدة متداولة بيننا معاشر المصريين فيرحل المقتدر منا إلى أوربا بشرط أن يجعل نصب عينيه العمل عَلَى الاستفادة مما وصل إليه أهلوها في حلبة الفضل وميدان التقدم.
لست أنكر عَلَى الراحلين أن يضيعوا معظم وقتهم وأن يصرفوا جل مالهم في لذات أنفسهم وشهوات بطونهم. ولكني أناشدهم وأناشدهم أمهم (مصر) أن يجعلوا الثلثين لهم والثلث لها وأن يعملوا بقول الشاعر:
والله مبني جانب لا أضيعه ... واللهو مني والخلاعة جانب
بل أكتفي منهم أن يخصصوا لوطنهم نصيباً زهيداً من اغترابهم فالذرة يتكون منها الطود الشامخ والقطرة هي أصل العباب الزاخر.
أملي فيهم أن يعودوا لنا بكتاب من كتب أجدادنا التي ليست في خزائننا (والخطب سهل فما عليهم إلا أن يصدروا أمرهم لأي إنسان من المشتغلين بالنقل بواسطة التصوير الشمسي) أملي فيهم أن يرجعوا إلى أهلهم وأهل بلادهم بفائدة (والأمر ميسور فما عليهم إلا ألأن ينظروا بالعيون التي خلقها الله وأن يعتبروا بالعقول التي أودعتها الحكمة الربانية في رؤوسهم). إن في أوربة الآن لآية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو رشيد.
فكما كانت الرحلة سبباً في تقدم الشرق في أيام السلف الصالح، فكذلك تكون إن شاء الله بفضل الجيل الحاضر وما يتلوه من الذراري والأعقاب.
كيف وصل المسلمون إلى أوربة؟
يقطع البحر الفاصل بيننا وبينها. هذا البحر الذي نسميه الآن بالبحر البيض المتوسط والذي كان يسميه أسلافنا بالبحر المتوسط لتوسطه بين أراضي أفريقية وآسية وأوربة واسمه المشهور عندهم بحر الروم. ولو أنهم سموه بالبحيرة الإسلامية لكانوا قالوا حقاً وأثبتوا صدقاً. فقد امتلكه المسلمون وامتلكوا ما فيه من الجزائر مثل: ميورقة ومنورقة