وأما أول أميرال مسلم ركب بحر الروم للغزو فهو معاوية بن أبي سفيان حينا كان عاملاً عَلَى الشام في خلافة عثمان بن عفان.
ثم أن المسلمين شغفوا بالجهاد في البحر وامتلاك بعض جزائره. والذي يهمنا بصفتنا مصريين هو أن نعرف أن أول تأسيس دار الصناعة كان في جزيرة مصر (جزيرة الفسطاط) في سنة ٥٤ هجرية وأن الأسطول بالمعنى الحقيقي كان أنشأه للمرة الأولى في بلادنا في أيام عنبسة ابن إسحاق وإلى مصر باسم الخليفة المتوكل العباس الذي سنذكره بمناسبة المنجنيق عما قريب وكان ذلك في سنة ٢٣٨ وكانت مصر إنما تصد بأسطولها غارات الروم وغيرهم من أمم أوربة.
وأما الهجوم فلم يكن من شأنها إلا في حالة العدوان عليها. وذلك لأنها من حيث الفتح والتوسع في الاستعمار ما كانت تطمح في غير رودس وقبرص.
والسبب في ذلك أنها تركت أمر الجزائر الأخرى للبلاد الإسلامية القريبة منها فكانت تونس توجه همتها البحرية إلى صقلية وسرادينة، وكان المغرب الأقصى متكفلاً بجزائر ميورقة ومنورقة ويابسة وشطوط الأندلس وسواحل فرنسا.
ولكن تونس سبقت مصر في اتخاذ الأساطيل في أيام عاملها حسان بن النعمان بأمر الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان سنة٦٩ للهجرة.
بلغت الأساطيل الإسلامية من الجلالة أنه كان لا يدخلها غشيم - عَلَى قول الإمام المقريزي - ولا جاهل بأمور الحرب وكان لخدامها حرمة ومكانة ولكل أحد من الناس رغبة في أن يعد من جملتهم فيسعى بالوسائل حتى يستقر فيه. وقد أفادنا أيضاً أن العناية بالأساطيل الإسلامية في مصر إنما قويت منذ قدوم المعز لدين الله إليها. وأن المقدم عَلَى الأسطول كان أميراً كبيراً من أعيان أمراء الدولة وأقواهم نفساً (وهو الأميرال) وكان الأسطول يزيد في أيام العز عَلَى ثمانمائة قطعة ثم اخذ في الانحطاط ولكن لم ينقص قط عن مائة قطعة فكان الخليفة يحض بنفسه تجهيز الأسطول وتفريق النفقة عَلَى رجاله. حتى إذا تهيأ للإقلاع ركب الخليفة إلى منظرة المقس (محل جامع أولاد عنان الآن) لتوديعه في احتفال باهر فيكون له يوم مشهود يزيده بهاء ورواء حركات الأسطول المعروفة الآن بالمناورات البحرية والحربية وقد بلغ من عنايتهم بالأسطول إن دار الصناعة في مصر ما كان