مكر نفر مقبل مدبر معاً ... كجلمود صخر حطه السيل من عَلَى.
وكانت السهام في ذاك الوقت هي التي يترامى المحاربون بها. ولا يزال العرب مشهورين بإصابة القبلة وهي الهدف والغرض والقرطاس. فقال الفرنسيون في هذا المعنى من كلمة قبلة. ولا أزيدكم علماً بأن السهام توضع في الكنانة وهي الجعبة غير أن اشتباك العرب بالفرس والترك جعلهم يختارون كلمة من غير لسانهم وهي التركاش بهذا المعنى فقال الطليان ثم قالوا كما قال الإسبان وكما قال البرتقاليون والفرنسيون وانتم تعلمون أن الفرنسيين كانوا إلى عهد قريب ينطقون بحرفي كما ينطقون بحرفي ولكنهم عدلوا عن كتابة في مثل هذا المقام وأبقوا عَلَى حال رسمها ونطقوها بالنطق الجديد فلذلك صار بينها وبين أصلها العربي بون كبير.
إلى هنا وضعت الحرب أوزارها فاستقرت قدم الفاتحين وعرضوا جيوشهم تخفق فوقها الرايات والأعلام والبنود. فأخذ الفرنج هذه الكلمة الأخيرة فقالوا في بند المعربة عن الفارسية دلالة عَلَى الجماعة المنضوين تحت لواءٍ واحدٍ ثم اطلقوها من هذا القيد وقال الطليانيون في ذلك والفرنسيون وأخذنا عن الطليانيين كلمتنا مطلينة فنحن نقول الآن بنديرة.
ماذا كان لون راياتهم؟
كان تبعاً لشعار الدولة القائمة في دمشق أو بغداد أو القاهرة. فشعار بني أمية من الألوان الخضرة في الملابس والبياض في الرايات أخذوا البياض عن اللون الذي كان يعمم به النبي صلى الله عليه وسلم وأما بنو العباس فشعارهم السواد في الحالتين. لأخذوا ذلك فيما يقال عن اللون الذي اختاره رسول الله يوم حنين ويوم فتح مكة. فإنه عقد لعمه العباس راية سوداء وقيل أن ذلك يرجع إلى حزنهم عَلَى إبراهيم بن محمد أول القائمين بالدعوة العباسية. فإن مروان بن محمد الجعدي المنبوذ بالحمار هو آخر بني أمية حينما ضيق عليه الخناق قال الرجل لشيعته: لا يهولنكم قتلي. فإذا تمكنتم من أمركم فاستخلفوا عليكم العباس. فلما قتله مروان لبس أشياعه كلهم السواد حداداً وحزناً عليه حتى إذا صار إليهم هذا الأمر أعني الخلافة جعلوا السواد شعارهم في كل أمرهم وكانت جنودهم تعرف باسم المسودة