ماله عندهم جزاء إذا ما ... أنعموا فيه غير سوء الثناء
رب مال يكون غماً وذماً ... وغني بعد في الفقراء
وقال في تصنيف الطعام إذا كنت ممن يؤكل طعامه وتحضر مائدته ويؤكل معه فليكن الذي يتولى صنعة طعامك من ألب الناس في عمله وأنظفهم في يديه ولا تدع أعلامه إن أحسن ولا إنذاره إن أساء فإن تعتبك عليه خير من تعتب الناس عليك واعلم أن لكل شيء غاية وإن غاية الاستنقاء التنظيف في الاستنجاء والإكثار من الماء حتى يستوي اليدان والريح والمنظر فإنه لا طيب أطيب من الماء ولو أنه المسك وما أشبهه من الأشياء وإنما يستدل عَلَى نظافة الرجل بنقاء أثوابه وإنما يكون القذر في الحمقى من الرجال والنساء ويستدل عَلَى بلادتهم وفي ذلك أقول شعراً:
ولا خير قبل الماء في الطيب كله ... وما الطيب إلا الماء قبل التطيب
وما أنظف الأحرار في كل مطعم ... وما أنظف الأحرار في كل مشرب
وقال في صفة العدو والصديق: احرص أن لا يراك صديقك إلا أنظف ما تكون ولا يراك عدوك إلا أحصن ما تكون فأما الصديق فإن كان الذي أعجبه منك خلقك أو خلقتك ولهما كان بحبك فكلما ازددت حسناً كان حبه لك أكثر ورغبته فيك أوفر (وأكثره عندك وأكبر لك في صدره) وأدوم له عَلَى عهدك وأما العدو فليس شيءٌ أعجب إليه من دمامتك وخساستك فاحترس منه وأظهر الجميل فليس شيء أعجب إليه من التمكن منك فانظر أن لا يكون شيء أعجب إليك من التحصن منه.
وقال في العقل والأدب: اعلم أن العقل أمير والأدب وزير فإن لم يكن وزير ضعف الأمير وإن لم يكن أمير بطل الوزير وإنما مثل العقل والأدب كمثل الصيقل والسيف فإن الصيقل إذا أعطي السيف أخذه فصقله فعاد جمالاً ومالاً وعضداً يعتمد عليه ويلتجأ إليه فالصيقل الأدب والسيف العقل فإذا وجد الأدب عقلاً نفقه ووفقه وقواه وسدده كما يصنع الصيقل بالسيف وإذا لم يجد عقلاً لم يعمل شيئاً لأنه لا يصلح إلا ما وجد وإن من السيوف لما يصقل يسقي ويخدم ثم يباع بأدنى الثمن ومنها ما يباع بزنته دراً وزبرجد وذلك عَلَى نحو الحديد وجودته أو رداءته وكذلك الرجلان متأدبان بأدب واحد ثم يكون أحدهما أنفذ من الآخر أضعافاً مضاعفة وإنما ذلك عَلَى قدر العقل وقوته في الأصل وفي ذلك قلت شعراً: