وقد يصلح التأديب من كان عاقلاً ... وإن لم يكن عقل فلن ينفع الأدب
وقال في المراء: إذا اجتمع أهل نوع فتذاكروا عَلَى نوعهم ذلك لم يكن أصل كل واحد منهم أن ينفع بما أسمع وينتفع بما سمع فاعلم أن تذاكرهم ذلك من أول المراء يصدع العلم ويوهن الود ويورث الجمود وينشئ الشحناء وينغل القلب وفي ذلك أقول شعراً:
تجنب صديق السوء وأصرم حباله ... فإن لم تجد عنه محيصاً فداره
وأحبب صديق الخير واحذر مراءه ... تنل منه صفو الود ما لم تماره
وقال في الحكمة: أما ما يسمع من كثير من الحكمة فإنه أوله شيء يخطر عَلَى الأفئدة إذا خطر وهو أصغر من الخردلة وأدق من الشعرة وأوهن من البعوضة ثم تحركه اللسنة وتنبذه الأفئدة كما يحاك البرد وكما يمد النهر فيعود أكثر من الكثير وأوثق من الحديد وأثمن من الجوهر وأحسن من الذهب وأنفع من كليهما لأنه يزيد في المنطق ويذكي الذهن ويعين عَلَى الإبلاغ ويتجمل به القائل ويتقلب فيه كيف يشاء ويختار منه ما يشاءُ فينتفع به اللطيف ويقبل به السخيف ويتزيد به الكثيف ويتأيد به الضعيف ويزداد به الأيدي قوة من منطقه وبلاغة في كتبهم وللكرماء في بشاشتهم وللشعراء في قصائدهم فإذا كنت ممن يؤلف حكمة أو يضع رسالة أو يذكر في مهمة فلا تكمه قلبك ولا تكره ذهنك فإنه إذا أكره كل ووقف ولكن إن كنت في شيء من ذلك فاستعن بالتفرغ منه عَلَى التفرغ له والتأخر عنه عَلَى التقدم فيه فإن الذهن يجم كما يجم البئر ويصفو كما يصفو الماء.
وقال في الكلام وإخراجه: اعلم أن مثل الكلام كمثل الحجارة فمنها هو أعز من الذهب والفضة ومنها ما لا يعطى في الصخرة العظيمة منه درهم وفي ذلك أقول شعراً:
وما الحجر الكبير أعز فيما ... ظفرت به من الحجر الصغير
وكم أبصرت من حجر خفيف ... صغير بيع بالثمن الكبير
وقال في طلاقة الوجه وحسن الخلق: كن أسهل ما تكون وجهاً وأظهر ما تكون بشراً وأقصر ما تكون أمداً وأحسن ما تكون خلقاً وألين ما تكون كنفاً وأوسع ما تكون أخلاقاً فإن الأيام والأشياء عقب ودول فإن أنكرت منها شيئاً يوماً ما كان (ما) أنكرت منها شيئاً خفيفاً عَلَى أهل الشمانة وأهل الصفاء واحذر أن تحزن من يحبك وتفرح من يحسدك فلم أر في مصاب الدهر مصيبة أوحش من تغيير النعمة وإن أنت لم تنكر منها شيئاً ودامت لك بما