للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صلاحهم وبه معايشهم ثم أحوج بعضهم إلى بعض فعاشوا وإنما مثل الرجل ورزقه ومثل أدبه وعقله ومروءته وحكمه كمثل الرامي ورميته فلا بد للرامي من سهم ولا بد لسهمه من قوس ولا بد لقوسه من وتر ولا بد لجميع ذلك من قدر يبلغ به ما رشق ويصيب به ما يبلغ ويحوز ما أصاب وإلا فلا شيء فالرامي الرجل والرمية الرزق ولا يجمع بينهما عقل ولا عز ولا شيء من ذلك إلا بقدر وفي ذلك أقول شعراً:

ما القوس إلا عصا في كف صاحبها ... يرعى بها الضان أو يرعى بها البقر

أو عود بان وإن كانت معقفة ... حتى يضم إليها الشهم والوتر

وإن جمعت لها هذين فهي عصا ... حتى يساعد من يرمي بها القدر

وقال: إن حسن السمت وطول الصمت ومشي القصد من أخلاق الأتقياء وإن سوء السنت وترك الصمت ومشي الخيلاء من أخلاق الأشقياء فإذا مشيت فوق الأرض فاذكر من تحتها وكيف كانوا فوقها وكيف حلوا بطنها وكيف كانوا أمما واعلم أن ابن آدم أعز من الأسد وأشد من العمد ما لم تصبه أدنى شوكة وأدنى مرض وأدنى مصيبة فإذا اصابه شيء من ذلك وجدته أهون من الذرة وأمبن من البعوضة فلا يغررك تجبره وتكبره وتفر عنه واستطالته وفي ذلك أقول شعراً:

ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعاً ... فكم من تحتها قوم هم منك أرفع

فإن كنت في عز وحرز ومنعة ... فكم طاح من قوم هم منك أمنع

وقال في الغنى والقنوع: إن الغنى في القلب فمن غنيت نفسه وقلبه غبيت يداه ومن افتقر قلبه لم ينفعه غناه وفي ذلك أقول شعراً:

إذا المرء لم يقنع بشيءٍ فإنه ... وإن كان ذا مال من الفقر موقر

إذا كان فضل الله يغنيك عنهم ... فأنت بفضل الله أغنى وأيسر

وقال في الرأي والمشاورة: إذا استشير نفر أنت أحدهم فكن آخر من يشير فإنه أسلم لك من الصلف وابعد لك من الخطأ وأمكن لك من الفكر وأقرب لك من الحزم وفي ذلك أقول شعراً:

ومن الرجل إذا زكت احلامهم ... من يستشار إذا استشير فيطرق

حق يجول بكل وادٍ قلبه ... فيرى ويعرف ما يقول فينطق