ثم ألف في التفسير طائفة من المتأخرين عن هؤلاء فاختصروا الأسانيد ونقلوا الأقوال بتراً فدخل من هنا الدخيل والتبس الصحيح بالعليل ثم صار كل من نسخ له قول يورده ومن خطر بباله شيءٌ يعتمده ثم تناقل المؤلفون ذلك خلفاً عن سلف واعتمدها الناس واندرست كتب الأئمة لعدم الباحث عنها فاندرست كتب التفسير وعلم التفسير ولم يبق في أيدي الناس شيءٌ مما يصح الوقوف به والاعتماد عليه. قال السيوطي رأيت في تفسير قوله تعالى غير المغضوب عليهم نحو عشرة أقوال مع أن الوارد عن النبي (ص) والصحابة والتابعين ليس غير اليهود والنصارى حتى قال ابن أبي حاتم لا أعلم لذلك خلافاً لأحد.
ثم نبغ بعد هؤلاء قوم نبغوا في بعض العلوم فكل واحد منهم ملأ تفسيره بما غلب على طبعه من الفنون واقتصر على ما تمهر فيه كأن القرآن أنزل لأجل هذا العلم فقط فالنحوي ليس له إلا تكثير وجوه الإعراب وإن كان بعضها بعيداً ونقل قواعد النحو ومسائله وفروعه وخلافياته كالزجاج والواحدي في البسيط وأبي حيان في البحر والنهر والأخباري ليس له إلا القصص والأخبار عمن سلف من الأمم حقاً كان ذلك أو باطلاً كالخازن والبقلي. والفقيه يورد الأحكام الفقهية وربما استطرد إلى ذكر أدلتها ورد كلام المخالفين فيها إلى غير مما لا ارتباط له بعلم التفسير بوجه من الوجوه كما فعل القرطبي في تفسيره وصاحب العلوم العقلية يشحن كتابه بأقوال العلماء والفلاسفة ومناظراتهم والرد عليهم كما فعل فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير.
وصاحب البدعة من أهل كل مذهب يملأ كتابه ببدعه ويؤول كل ما يمكنه تأويله من آي القرآن للاستدلال به على بدعته فإن عرض له من الآيات ما يخالف بدعته عمد لصرفها عن ظاهرها واختلق لها معنى لا يعارض بدعته ولا يبطلها وإن لم يكن بيده حجة على تأويل القرآن وصرفه عن ظاهره الذي كلف الناس بالعمل به غير مخالفته لبدعته التي يرى أنها الحق الصراح وأن نصوص الشرع وإن خالفتها يجب أن ترد بالتأويل إليها.
وهذه طريقة عامة المفسرين من أهل الكلام كل واحد منهم يستدل بالآية على ضد ما يستدل بها مخالفه عليه ومن قرأ تفاسيرهم رأى كيف يغلب حب النفس على الإنسان فيخرج به إلى نقض أساس دينه وتشويه محاسنه ويرحم الله أبا العلاء حيث يقول