مقدونية أكثر من غيرهم من العناصر غير المسلمة وهم أهل النشاط والحرب وثلاثة أرباع من هاجر من بلاد مقدونية إلى أميركا هم من البلغاريين والمهاجرون فيها لا يقلون عن مئة ألف. وقد اغتنوا كما اغتنى بعض السوريين ومنهم من عاد إلى بلاده فابتاع الأراضي بالثمن الباهظ ومنهم من تخلص من سلطة الأغنياء أرباب المزارع الواسعة وعمروا الدار والعقار. ولسيت الهجرة من ممالك البلقان إلى أميركا وغيرها اقل من هجرة سكان الروم إيلي حتى لقد هاجر خمسة عشر ألف يوناني من جهات وارنه في بلغارا سنة ١٩٠٦ إلى أثينة وغيرها عقيب مناوشات قتل فيها أفراد من اليونانيين والبلغاريين وذلك بداعي تعيين أسقف يوناني في وارنه.
أقول عقيب مناوشات وما أحرانا أن نقول عداوات فإن اليوناني يكره البلغاري والبلغاري يكره الصربي والبلغاري يمقت الروماني والجبلي يتألم من الصربي عَلَى صورة يستغرب من قرأ تاريخهم أمس كيف يتفقون اليوم اتفاقاً مربعاً لم تخرج عنه سوى رومانيا المرتبطة مصالحها بمصالحنا وأعجب منه أن نرى روسيا عقب مؤتمر برلين بعد أن كانت في البلقان هي الكل والكل رضيت بأن تشاركها في نفوذها دولة النمسا والمجر واغرب من كل هذا أن إيطاليا والنمسا وألمانيا وروسيا وإنكلترا كلها تنادي بسلامة المملكة العثمانية وحفظ الحالة الحاضرة في البلقان مراعاة لمصالحها لأن كل واحدة تستفاد من الروم إيلي وهو في أيدي العثمانيين من حيث التجاور والأمور العمرانية والمالية أضعاف أضعاف ما تستفيد منه لو كان لا قدر الله في أيدي غيرنا من حكومات البلقان وذلك لأن القوم في أوربا يستفيدون من إهمالنا وعدم عنايتنا بالمصالح المالية بخلاف غيرنا لو كان سلطان عَلَى شبه جزيرة البلقان كلها فإنه يقطع عَلَى الماليين والمتجرين الأوربيين أرزاقهم ويحاربهم حرباً اقتصادية شعواء.
نعم تعلم الدول الست أن أهل كل عنصر من العناصر البلقانية أقوى عَلَى قلة عديدهم في التشيع لأبناهم الناطقين بلغتهم من العثمانيين بمجموعهم عَلَى كثرتهم فإن الصربي مسلماً كان أو كاثوليكياً أو أرثوذكسياً يهتم لمصلحة بلاده أكثر مما يهتم التركي أو العربي! وكأن هذا الحق خاص بشبه جزيرة البلقان إلا قليلاً فقد رأينا الأرانؤط مسلميهم مسيحييهم يدافعون يداً واحدة عن كل ما فيه سلامة وطنيتهم ولغتهم لم تفرق بينهم المذاهب والنحل