للدول التي تطلب مدرعات وجنوداً تستعملاه حين الحاجة لضمانة ديونها ولاستصناع بضائع في معالمها وهي تراقب المالية وتنظر في مسائل الديون العمومية ولا يعمل شيء إلا بفضل رؤوس أموالهم وعلى أيدي مهندسيهم ولا يخضع رعاياهم بموجب قانون الامتيازات الأجنبية للقوانين العثمانية ولا يحكم في مسائلهم غير قناصلهم. وللأجانب مدارس لأولادهم ومدارس داخلية وكليات ورهبان وأطباء وإدارات بريد وبرق وليس للبوليس العثماني ولا لجابي الأموال أقل سلطة عليهم فكل واحد منهم كائن لا يمس فالسلطان يحكم ولكن الأجانب يتمتعون و١ذلك لأنهم ملوك المال اهـ.
يتمتع الأجانب في البلاد العثمانية بسعيهم الحثيث ونفوسهم التي لا تمل وأعلام دولهم التي تحميهم فبعد أن كان لفرنسا منذ القديم المقام الأول في التجارة نازعتها إنكلترا حتى استأثرت بأكثر من مجموع نصف الصادرات والواردات ثم جاء الدور لألمانيا بعد مؤتمر برلين فإن كانت هذه الدولة قد فتحت ولايتين هما الإلزاس واللورين فتحاً سياسياً فقد فتحت الولايات العثمانية فتحاً اقتصادياً فأنشأت البيوت التجارية والمصارف والمدارس ومن أهم الامتيازات التي نالتها سكة حديد بغداد تصل بين الآستانة والخليج الفارسي ولكن إنكلترا لم تغفل عن ذلك لأنها تحاذر من أن يصل أحد إلى الهند من غير طريقها وإرادتها فسلحت البادية فيما يقال بسلاح إنكليزي هندي وبعثت عيونها طول الخط الحديدي ولما لم يمد ثم انتبهت للتجارة مع العثمانية حكومة إيطاليا والنمسا وكل الدول تنازعنا بل تتنازع حياتنا الاقتصادية والمملكة العثمانية كما قال بعضهم فيها مجال لك طالب عَلَى فقرها بل إن فيها مجالاً للعثمانيين أنفسهم لو يعملون.
ولما أيقنت إنكلترا بالخطر عَلَى مصالحها في الشرق ولاسيما الهند بتهديد الألمان لخليج فارس بسكتهم الحديدية الجديدة من الآستانة إلى بغداد أرادت تأمين طريقها إلى هندها بتطويق بلاد العرب بطوق من حمايتها فأثارت أولاً مسألة تحديد التخوم بين مصر وسورية وذلك في المسألة التي عرفت بمسألة العقبة وطابة سنة ١٩٠٦ فاستأثرت مصر التي هي محتلة لها بشبه جزيرة سيناء وأمنت إنكلترا من هذه الجهة وكانت قد عقدت مع فرنسا عقداً في سنة ١٩٠٤ يكون إنكلترا بموجبه حرة في وادي النيل كما تكون فرنسا حرة بعملها في شمالي أفريقية وينتج من ذلك قبض فرنسا عَلَى قياد حكومة مراكش حتى أصبحت جرائد