منه أو مشاركتهم فيه، فاجتمعوا رؤساء العرب وقرروا المسير إليها وانتزاعها من أيدي أكاسرة الفرس وكان أول من سار إليها عَلَى ما ذكر الطبري الحيقار بن الحيق في جماعة من قومه وأخلاط من الناس ثم سار مالك وعمرو ابنا فهم بن تيم اللات، ومالك بن زهير بن فهم بن تيم اللات وغطفان بن عمرو وزهير ابن الحارث، وصبيح بن صبيح فيمن تنحى عنهم من عشائرهم وحلفائهم، ونزلوا الأنبار إلى محل الحيرة في طف الفرات وغربيه وما والاها من المظال والألخيبة، لا يسكنون بيوت المدر، ولا يجامعون أهلها فيها، واتصلت جماعتهم فيما بينها، وكانوا يسمون عرب الضاحية. فكان أول من ملك منهم عليهم مالك بن فهم إلى أن ظهر أردشير بن بابك وتغلب عَلَى سائر ملوك الطوائف وقهرهم ودان له الناس وضبط الملك واسترجع الطف من العرب وأقر جذيمة الأبرش عَلَى ما هو عليه من تملكه الحيرة وكان ملك جذيمة الأبرش عَلَى الحيرة وبشاطئ الفرات والاها بعد أبيه مالك بن فهم وفي آخر عهد الدولة الساسانية كان ينصب عَلَى أرض الطف عامل من قبل كسرى مستقل بأمره لا يتأمر عليه ملك الحيرة، وكان العامل عليها في عهد كسرى يزدجردقيس بن مسعود بن خالد وهو الذي أمره كسرى أن يعين إياس بن قبيصة الطائي عَلَى هانئ بن مسعود الشيباني وكان إياس ملكاً في الحيرة مكان النعمان بن المنذر ملكه كرى بعد قتله النعمان. وكان سبب وقوع هذه الحرب وقعة ذي قار وذلك أن كسرى طلب تركة النعمان بن المنذر من هانئ فأبي تسليمها فوقعت تلك الحرب الطاحنة كما تقدم.
وكانت قرى الطف قبل الفتح الإسلامي ضياعاً لكبار العجم، ولما ورد سعد بن أبي وقاص العراق كتب من لهم الضياع إلى كسرى وحرضوه عَلَى إرسال الجيوش لصد غارات المسلمين خوفاً من أن يستولوا عليها فسببوا حضور رستم القائد الفارسي الكبير لحرب الإسلام فوقعت بأيدي المسلمين بعد حرب القادسية والمدائن وتشتت شمل الفرس فيهما، ولما تم الأمر للمسلمين أقطعوها وإليها يشير الأقيشر الأسدي في قصيدته المشهورة:
إني يذكرني هنداً وجارتها ... بالطف صوت حمامات عَلَى نيق
نبات ماءٍ معاً بيض جآجئها ... حمر مناقرها صفر المحاليق