ويصب ماؤه في بطيحة (أبو دبس) عَلَى بعد أربع ساعات من جنوبي غربي كربلاء وتنضب مياه الحسينية في القيظ. فتحرج الصدور وتضيق الأنفس. ويغلو ثمن الماء ويضطر الأغنياء إلى جلب الماء من أماكن بعيدة وأما الفقراء فيحفرون الآبار. ويشربون مياهها فتتولد الأمراض. وتفشوا بينهم فشواً ذريعاً. وتفتك بالنفوس. والأشهر التي ينضب في أثنائها ماء الحسينية هي: حزيران. تموز. آب. أيلول. وسبب ذلك أن الحكومة أهملت أمر هذا النهر وتهاونت في كري مجراه بادئ بدءٍ حتى استفحل الخطر ويخشى من انقطاع المياه طول فصول السنة.
٩ً وصف كربلاء وعمرانها
كربلاء مدينة واسعة الرجاء حافلة الأسواق. كثيرة المساجد. منظرها بهيج يسر الناظرين. وموقعها يوقف الأبصار. لها سور خرب كان أقيم لحفظها من غارات الأعراب بعد وقعة الوهابية ثم هدمه والي بغداد نجيب باشا سنة ١٢٥٨هـ و١٨٤٢م بأن سلط المدافع عليه من الجهة الشرقية عَلَى أثر ما وقع في كربلاء من الفتن في ذلك العهد. وإذا أتيتها وأنت قادم من النجف أو المسيب يذهب ببصرك نور مآذنها وقباب جوامعها المغشاة بصفائح من الذهب الإبريز. وتدهشك ساعاتها المبنية عَلَى بروج شاهقة ترى من مكان بعيد.
وكربلاء تقسمك إلى قسمين عتيق وجديدة. فالعتيق ضيقة الأزقة تكثر فيها التعاريج لا يتجاوز عرضها المترين. وبناؤها عَلَى الطراز القديم. وشوارعها مملوءة أوساخاً وأقذاراً ودورها عَلَى غير نظام. إلا أن ما يباع في أسواقها بديع الصنع. ونفيس الطرز. وأكثر سكانها إيرانيون وبينهم عدد قليل من مختلفي العناصر. وأما القسم الجديد. فاسواقه عريضة وشوارعه فسيحة عَلَى خط مستقيم تجري فيها الرياح جرياً طلقاً لا حائل يحول دونها. وليس فيها تعاريج. ويخترق هذا القسم عرضاً خمس جادات وطولاً أربع متصلة بعضها ببعض ويختلف عرض أزقتها بين ١٦ و١٨ متراً وطولها بين ٢٠٠ و٢٥٠ متراً عَلَى شكل هندسي جميل. وهناك ساحة تعرف بساحة الميدان تنار بروح الزيت الحجري ويوجد في وسطها بناء أقيم تذكاراً للحرية. وفي هذا القسم دوائر البلدية والبرق والبريد. وبيوت الكبار والأشراف وعمال الحكومة. وسائر الطرق تنار بالقناديل والمصابيح ذات الزيت الحجري.