للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هذا البحر والقافية أتى المؤلف بأمور منتقدة عند جمهور المحققين من رجال الدين والمدنية مما نبه عليه الأعلام في كل عصر أمثال ابن تيمية وابن الحاج وعشرات غيرهم. وكنا نود أن تعرى التآليف الحديثة من نقل هذه الأخبار الواهية وأن لا ينقل المؤلف مثلاً من جملة الفوائد أن دمشق النائم بها كالعابد بغيرها حتى يزيدنا خبالاً فوق خبالنا فإننا أحوج إلى من يقوي همتنا منا إلى من يضعفها برواية هذه المثبطات. فعسى أن يحذف الباحث كل ما لم يصححه المتحدثون والمتفقهون والمؤرخون من الأخبار المضعوفة المرذولة ويقتصر عَلَى الصحاح وإلا فتكون مضار هذه الكتب أكثر من منافعها بكثير.

الدعوة إلى الإصلاح للشيخ محمد خضر بن الحسين

طبع بالمطبعة الرسمية العربية بتونس عام ١٣٠٨ - ١٩١٠ (ص٤١).

تتم معظم تآليف التونسيين الأخيرة عَلَى فضل علم وأدب وإن خاصتهم لا يؤلفون في الغالب إلا إذا اعتقدوا واعتقد الناس فيهم الكفاءة العلمية وقد تلطف مؤلف هذه الرسالة في موضوعه الجليل فأفاض في الحاجة إلى الدعوة وفي الدعوة في نظر الإسلام وفي شرائطها والإخلاص فيها وآدابها وآثار السكوت عنها والإذن في السكوت عنها وأسباب إهمالها وقال في خاتمة ما يدعو إلى إصلاحه وهوو ما نورده نموذجاً عَلَى نبذته النافعة: ولما افترقت الأمة في حفظ بقائها وصلاح عيشها إلى جملة من الوسائل كالصنع وبعض الفنون الحكمية كانت داخلة في واجبات وفيها كما صرح بذلك أبو إسحاق الشاطبي وغيره من الراسخين في علوم الشريعة فإن عظم مصلحتها والخطر الذي ينشأ عن إضاعتها واضح في الدلالة عَلَى وجوب التعلق بأسبابها ولكن الإسلام لم يفتح عين المكلف في كل موضع من مواضع إصلاحها أو أعطى لتفاصيلها قواعد كما تفعل في قسم العبادات والمعاملات والجنايات وغنما أرشد إلى أصول مطالبها ثم فوض في وجوه عملها معرفة ما هو الأصلح في وسائلها إلى الفطرة السليمة والعقول الراجحة كما قال صلى الله عليه وسلم في واقعة تأبير النحل (أنتم اعلموا بأمور دنياكم) فإن التمييز فيها بين الحسن والقبيح من المطالب التي لا تفوت مداركهم ويسعها طوق عقلهم.

وقد يسبق غير العارف الشرائع إلى الخبرة ببعض نظامات مدنية ولهذا لم يضع الإسلام حرجاً عَلَى أخوانه إذا كانوا غير المسلمين وعملوا عَلَى مثالهم فيما يحسن في نظرهم من