حياة سائح يريد أن يثبت عقيب رحلة له ما يمس منه بأطراف إصبعه تلك الكذبة الكبرى السفيهة التي أراد معلمونا ولا يزالون يريدون وضعها أمام أعيننا كأنها حقيقة بل هي الحقيقة.
إني لمعجب أن أقدم لجميع الفرنسويين من أصحاب الإرادة الذين يتوخون نبذ الأوقات القديمة وليس لهم وقت ولا فراغ لمباشرة رحلتين أو ثلاث في الأرض للبحث عن الحقيقة - الحقيقة الناصعة - هذا الكتاب البسيط الذي يوفر عنهم الرحلة إلى بغداد ودمشق وإسبانيا الجنوبية فيوحي إليهم كل ما هو مسرة للعيون والعقول ويصور لهم الصورة الحقيقية بل الصورة الطبيعية للإسلام في القرن السابع والتاسع ذاك الإسلام الذي قضى عليه الكارولنجي المتوحش ونبذه خارج فرنسا بضربات عظيمة من مطرقته. . . .
الروضة البهية في فضائل دمشق المحمية
طبع بمطبعة المقتبس سنة ١٣٣٠ (ص١٠٥)
غالى معظم من كتبوا في دمشق من أبنائها في الوصف أو أفرطوا في الشكاية ولكن المقرر الثابت أنها من خيرة البلاد بطبيعتها وها قد ألف أحد الدمشقيين محمد فندي عز الدين عربي كاتبي هذه الرسالة فلم يخرج فيها عن خطة المادحين المعجبين والمديح مما تألفه نفوس الجمهور في الأغلب فذكر ما نقله القصاصون في فضائل دمشق ومن نزلها من الصحابة وبعض معاهدها ولاسيما الدينية واحسن في وصف أعمالها الجديدة مثل الخطوط الحديدية والأحياء الجديدة وماء الفيجة ومستشفى الغرباء فحبذا من أراد تحبيذهم تزلفاً ولم يذكر السلطان نور الدين محمود بن زنكي النعروف بالشهيد وإن هذا المستشفى بني ببقايا أموال مستشفاه النوري وما جمع من الإعانات بعد بالضرب والتجبية والترويع. وقد اودع كتابه شيئاً من الأقاصيص التي نقل بعضها عن ضعاف العقول ممن حشروا أنفسهم ظلماً في العصر الأخيرة بين المؤلفين مثل ما نقله (ص٢٥) عن الشيخ أبي العباس أحمد بن قدامة صاحب الكرامات والأحوال الظاهرة إنه مشى عَلَى نهر يزيد بقبقاب في رجليه فلم تبتلا فطالع ليلة فكدرت عليه الضفادع بأصواتها فقال أيتها الضفدع قد أذيتمونا بأصواتكم فإما أن ترحلن عنا وإما أن نرحلن عنكن فأصبح وليس في النهر شيء من الضفادع ومن ثم لم يسكن نهر يزيد ضفادع إلى الآن!