ولكنكم أيها الأبناء مخدوعون باعتقادكم بأن المضي بعيد. هو قريب منا ومجاور لنا وهاءنذ أبينه لكم في بضع كلمات: ولد لويس الرابع عشر سنة ٦٣٨ أي منذ ٢٦٠ سنة وأنا الذي لم أبلغ سن الهرم بعد عرفت في نوفيون رجلاً أدرك المعاصرين للويس الرابع عشر.
ويدعى هذا الرجل كؤول وكثيرون ممن جلسوا الآن عَلَى هذه المقاعد يذكرون ألوما إليه فقد مات سنة ١٨٥٦ في التسعين من عمره كما تشاهدون ذلك مزبوراً عَلَى شاهد قبره المصنوعة من الرخام الأبيض. وكانت سني إذ ذاك أربع عشرة سنة وكنت أراه كل يوم إلا قليلاً وكان خال خالي الكبير شهد أموراً هائلة مدهشة فرأى لويس السادس عشر يرفع عَلَى المشنقة دستور فرنسا القديم يمزق كل ممزق وفرنسا مولعة بحياة خيالية جديدة. فأخذ يوحي بروح القرن الثامن عشر الذي تعلمت مذ ذاك أن أحبه في أوهامه وخيالاته لأنه كان قرناً في الشقاء والبربرية وتلاه قرن من الهناء والإنسانية.
فالمسيو كؤول ولد إذاً سنة في سنة ١٧٦٦ وبلغ سنة ١٧٧٦ سن الرشد. وفي ذلك الزمن لقي ولا شك بعض أناس من أبناء الثمانين في نوفيون. وعليه فالرجل الذي كان في سن الثمانين سنة ١٧٧٦ قد ولد سنة ١٦٩٦ وكان في سنة البلوغ عندما قضى لويس الرابع عشر نحبه سنة ١٧١٥. وبهذا فأنتم ترون أن هذا الملك الذي يتراءى لكم أنه بعيد العهد جداً قد مسستموه بأيديكم إلا قليلاً.
إن المائة والتسعة والثمانين عاماً التي مرت بين موته وبينكم هذه مدة قصيرة من الزمن ينبغي لها ثلاثة رجال وأنا الذي أخاطبكم وخالي وذاك الرجل الثمانين إذا مسك أحد بيد صاحبه نصل إلى هذا العهد وعلى هذا فليس من حاجة إلى سلسلة طويلة من الرجال لبلوغ الزمن الذي جاء فيه المسيح إلى العالم بل يكفي ثلاثون رجلاً.
لعد بضع سنين ترون يا أولادي متى انقضت ألوف من القرون أن الإنسانية تتكلم عن الأزمان القديمة. أما الآن فإننا لا نستطيع أن نقول عن رجل مات منذ أمد بعيد جداً فلا حق لكم إذاً أن تحيدوا عن الماضي كما تحيدون عن أمر بعيد جداً وإذ كان قريباً منا كثيراً لا يجب أن يتطلع أحدكم لئلا يحمل عَلَى النظر فيه قليلاً. إن هذا التطلع إذاً ينفعكم وبه تطيلون حياتكم أن تضيفوا أزمنة إلى زمانكم كأنكم عشتم فيها. نحن قلما تنعم في حياتنا القصيرة ولذلك نحلم بخلود روحنا. أما التاريخ فيه ضروب من الخلود وراء حجب