لا تعجب أن ترى كثيراً من الناس وفيهم أهل الحشمة والصلاح يضطربون ويقلقون وينكرون علينا ما نعد الأمة له ونحلم به من تحسين مستقبلنا. هذه الفئة من الناس هي التي تريد منا أن نرجع أفكار أجدادنا وأخلاقهم ولكني لا أرى بأي حق يقفون في النقطة الفلانية بدل النقطة الفلانية من الطريق المؤدية إلى الكهوف؟ التاريخ بأجمعه طافح بأخبار الرجوع عن التقاليد وبعبارة ثانية ليست التقاليد إلا انتقالاً من الماضي للحاضر يأخذ منها الناس ما يريدون وما يستطيعون ويبذلون ما شاؤوا أو يخدمون أو فيقون ما أرادوا. وما تقليد يقف في زمن معين إلا أنه اشبه بحدود لا تتعدى.
نعم أنا مدرك ما هناك من مخاوف وأسمع أصوات الأهواء وأشعر بآهات الأحقاد. تذكر الصحف وقائع يومية محزنة وهناك الأحلام اللطيفة تعدنا بأمور جميلة. ولكن الإنسانية لم يهدأ لها بال قط. وما قط عاشت بدون شهوات وأحقاد وبدون أحلام ومطامع. أما أنا فإني معجب بما مر علي من أيام البؤس والسخط عجبي من الكون الذي يتم فيه هذا العمل العظيم في العالم.
ولو ذكرت لكم ما حدث هناك في تلك المقاطعة وحدها لطال بي المطال ولطالما أصابها ما أصاب باريز نفسها. اذكروا فيها أيام ١٨٤٨ والفتن اليومية التي حدثت عَلَى عهد لويز فيلي وأيام الثورة والتمرد عَلَى أيام الحكم القديم عهد لويس الرابع عشر وحركات القرون الوسطى الهائلة أما اليوم فليس فيها شيء من هذا يباكر الناس مضاجعهم فينامون ملء جفونهم آمنين مطمئنين.
أنا لا أتنبأ فلا أقول بأن الدهر لنا بالمرصاد عَلَى أنني لا أعتقد بالتقلبات الدائمة المحزنة فقد حدث نجاح عظيم في العقل العام. إن حق الكتابة والخطابة وحق الانتخاب قد أتت عَلَى حق الثورة. أيها الأصدقاء إنكم لن تنسوا أبداً كل قسوة يعد جناية في البلاد المتمتعة بروج الجهورية.
يعلمونكم في المدرسة روح التكافل والتضامن وقاعدته أعن نفسك بنفسك وشعاره أعينوا بعضكم بعضاً وهذه القاعدة هي أساس الإخاء العلمي ثم تجيء بعد أعمال المحسنين الشريفة أي إرادة الأمة الفرنسوية لتحفظ الحياة من الأمراض التي تهددها والطفولية من