للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يشرع في الأعمال العظيمة كلها. فالشاعر لا ينظم قصيدة من أبيات ملتحم آخرها بأولها. والمصور يرسم التقاطيع أولاً. والصانع يرى بادئ بدءٍ ما يريد صنعه دفعة واحدة فيتصوره في مجموعه ويحصر فيه ذهنه. وهذا الباعث الداخلي هو الذي يحمله عَلَى أن يفادي بصرف عمره كله ليحكم صناعته ويشرك الناس فيما وقع في نفسه أنه جميل نافع فالفكر يخترع صوراً جديدة من الخير ليحققها ليجدر بالأمم كلها كما يجدر بالأفراد أن يجعلوا نصب أعينهم في حياتهم واجباً كبيراً لا يغفلونه. وليت شعري هل كان أرباب الإصلاح منا يحظون بالجل الرشيد لو قعدوا ويتوقعون طلعته وهل كانوا يفوزون من عملهم بطائل ويقوم بيننا داعي الحضارة ينادي حي عَلَى الفلاح.

إلا أن تعليم الأمة من أعز مصالحنا لأن فيه السلامة العامة. عَلَى أني لا آسف إذا كانت المصلحة طوعاً أو كرهاً من جانب العدل والحقيقة. ولكن دعونا من التلميح فالأمور لا تسير يدون مسير وتعليمنا لا تقوم له قائمة بما تصدره نظائرنا من المنشورات وما يلقيه لعضهم من الخطب وما يصرح به آخرون - كل هذه لا تعفينا من الاعتماد والسعي في إصلاح الحال والاعتماد عَلَى أنفسنا لإصلاح المآل.

لا نقعدن ونحن نتوقعه أن تجري الأمور من نفسها عَلَى محو السداد فلن يقع إلا ما نحسن إرادته ومصيرنا بيدنا وسعادتنا مناط همتنا. فعلى كل فرد منا أن تكون له إرادة ثابتة كما أن يكون كما يحق له وكما يجب أن يكون عليه.

عَلَى الرجل الحر أن يتعلم ويتيقظ كل التيقظ لما فيه عظمته التي هو ضمن حارس لها وأن يثق كل الثقة أن ليس في الأعمال ما هو وضيع في ذاته وأن العظائم في هذه الدنيا هي مجموع ثمرة أعمال كثيرة فإذا عمل المرءُ لنفسه فنتيجة عمله عائدة عليه وعلى الناس أجمعين.

وقال في معنى المدارس الحرة أي اللادينية ما نصه:

الحنق والغضب أيها الأساتذة هو من العواطف التي لا يليق أن تسري إلى قلوبكم لأنها منافية للمهمة التي عهدت إليكم من إنارة العقول وتربية الملكات. فالمدرسة ولا أزيدكم علماً ليست لشيعة مخصوصة ولا لأهل حزب معين بل هي للأمة بمجموعها ولذلك لا ينطبق مع مصلحتها أن تكون خطتها إلقاء بذور الكراهة والتناكر لأن لأبناء البلاد عَلَى اختلاف