للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كانت تعمل الأمم القديمة في أيام عزها.

ولقد قيل أن فرنسا لم تحسن استثمار من وضعت أيديهم عليهم من الأمم وهذا مما يدعوا إلى مدحها لا إلى القدح فيها وذلك لأن فرنسا ليست من الطمع عَلَى جانب عظيم غيرها وهي رحيمة بمن تغلبهم عَلَى أمرهم. ويقولون أيضاً أنها لا تحسن الاستعمار وفي هذا الكلام شيء من الحق وذلك لأن أولادها ليسوا كثاراً فلا تستطيع أن تبعث إلى القاصية منهم بمن يستحقون اسم المستعمرين الحقيقيين وإنها في البلاد التي أرسلت غليها أبناءها كما هو الحال في الجزائر وتونس قد عملت والثقة ملء صدرها ما تستطيع أن تري أعدائها وأحبابها النقاط الضعيفة منه ومم لا ينكر عَلَى لغتنا أنها كانت ولا تزال في مقدمة من يحمل علم المدنية والتمدين وذلك لأن أبائها يستهينون بالأتعاب ويبذلون قلوبهم وحياتهم لنشر ما يعتقدونه. إن مستعمرينا يعلمون من يستعمرونهم الذوق عَلَى العمل واحترام المرأة والبعد عن المسكرات (؟) ومرسلينا يعلمون السود والصفر تعاليم التوراة يضاف إليها تلقينهم الاعتدال والفضائل البيتية ومثال الإحسان لأنهم يجمعون أيتامهم ويعنون بمرضاهم ويلقنون معنى التوفر عَلَى الزراعة وتربية الحيوانات والبناء ويمهدون السبيل للعاملين. فالمدنية إذا لم تمدن أبداً فإن لها بانتشارها عَلَى هذه الصورة المقام الأول بين وسائطنا في الحضارة فإن من لا يمدن يستعمر استعماراً رديئاً ومن لا يستعمر لا يأمن أن تكون له قدرة عَلَى الاستثمار طويلاً وبالجملة فإن كل أمة لا تحتفظ بسلسلة المراتب في طريق العمل والنفوذ عَلَى أساليبها الثلاثة بل إن لكل أمة تلقي الاضطراب في ذلك تدخل عليها جراثيم من الانحطاط تنمو اليوم بعد اليوم.

ها قد انقضى الزمن الذي كان يعتقد فيه المعتقدون أن لا سبيل إلى الكسب من شعب إلا بإفقاره للمنافسة بين المعطي والآخذ وهذه القاعدة منافية للحقيقة لأن من يفقر رعاياه والتابعين له ومستعمريه بل وجيرانه يفتقر هو أيضاً وما يغني التاجرين في المقايضات يغني المتقاضيين في المدنيات والاستعمار الذي يذل البعض يفسد الآخرين وكلاهما يتأثران منه. شعرت بذلك الممالك الكبرى في القديم وكذلك كان الحال في إسبانيا والبرتقال: نعم إننا نعرف اليوم كيف تضاعف المقايضات والتجارات ولا نطلب أكثر من أن نرى الزنوج يغلون من نبات المطاط لنربح منه ما نبتاع به قطناً كثيراً وأدوات نشغلها. لا نطلب أكثر