للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ننس أن ألفاً وستمائة شخص غرقوا في باخرة واحدة (تيتانيك) وكان منهم من دفع ٢٢٠٠٠ فرنك أجرة سفره خمسة أيام ونصف يوم ليركب في حال من الكبر والتفخل ليس بعدها غاية. إن الحرص عَلَى هذه المدنية هو الذي أورث أمراضاً وهموماً وأفقد العالم الحياة الطبيعية فكثرت الأمراض العصبية وداء المفاصل والبول السكري وضعف المجموع العصبي بل لقد كثر الجنون حتى أكد أحد العارفين من أطباء الإنكليز وقد هاله تكاثر عدد المختل شعورهم من أمته في العهد الأخير أن إنكلترا سيعادل عقلاؤها مجانينها بعد ثلثمائة سنة.

إن المدنية أتت عَلَى الكثير من محسنات الطبيعة وعادات الأجداد الفاضلة فانتزعت من النفوس وفي هذه الحركة الاجتماعية يقول بعضهم كلما كثر عدد الناهضين يزيد عدد الساقطين. لا جرم أن التجارة ول لم توجد لما عرف الإفلاس ولو لم تنشأ السكة الحديدية لما وقعت هذه الوقائع المزعجة في المصادمات وغيرها ولكن الشعب الأعرق في المدنية هو الذي يقلل من الإفلاس بين التجار وبين المصادمات في الخطوط الحديدية بدون أن يوقف حركة التجارة ولا حركة القطارات بل يفعل ما بينهما ويجعل أعمالهما في مأمن. ومثل ذلك يقال في كل شيء. يقال في التعليم والصحافة وحقوق الانتخاب والمضاربات والأدب والصناعة بل ينطبق عَلَى كل ما في حركة المدنية من قمح وزوان ونظام خلل وجرأة وجبن. إن تغلب الأجسام عَلَى العقول هو انحطاط في المدنية. إن ضعف نظام الأسرة وروابطها واحتقار الخيار والتنصل من التبعات والزهد في التقاليد والخلاص من كل شكيمة ووازع هو دليل انحطاط المدنية.

إننا إلى نظرنا إلى المتمدنين وهم الأقلية في العالم نراهم فيلا معاملة المتوحشين هم دونهم عَلَى ثلاثة ضروب فمنهم من يعاملون من هو الأحط منهم باستثمارهم ومنهم باستعمارهم ومنهم بتمدينهم وهم قلائل جداً فالمستثمرون يبحثون عن مورد ثروة عند الأمم التي يبيعونها مصنوعاتهم والمستعمرون ينقبون عن زيادة ثروة ونفوذ بأن يحملوا بالتدريج الأمم لمنفردة عَلَى الاشتراك بالحياة الاقتصادية والتشبه بالنازلين عليهم وهؤلاء يدوم لهم استعمار الأرض طويلاً بالنسبة لغيرهم. أما الساعون في تمدين أمة فهم الذين يلقنوها معنى الحياة السامية والعمل لما فيه نشر الفضائل والسلام في الأسر وبث الوطنية والدين عَلَى نحو ما