للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المادية التي سخرها الإنسان لأمره وآخر يذهب إلى أن الارتقاء عَلَى عمومه لا يتأتى له إلا أن يسير عَلَى الدوام سيراً سريعاً. ويرى هذا الفريق الأخير أن كل شيء ينمو من حسن إلى أحسن وأن البشر يبذلون الجهد للوصول إلى هذه الغاية النافعة ويقولون أن العالم ارتقى في مدارج النشوء والنمو حتى صار الإنسان إلى ما صار إليه فورث قوى عاملة وما نشوء نظام الكون إلا نشوء العقل البشري والانقلابات الشديدة تحث اضطراباً مؤقتاً ولكن ينشأ عنها ما يبعث الكفاءات من مرقدها ويضم القوى المبعثرة ويحملها عَلَى أن تتجه وجهة جديدة يستقيم جريها وبالإجمال فالمدنية لا تعود القهقرى ولا تقف في مركز واحد بل هي سائرة عَلَى الدوام بيد أن التاريخ علمنا أن الأعالي تسفل والاستعباد يزول وفكر العظمة والانحطاط متلازمان تلازم الجبال والأودية والليل والنهر والشباب والهرم والحياة والموت.

إنه من المتعذر الوقوف فإما الارتقاء متواصل أو سقوط تام وبقدر الصعود يكون النزول فالولد الذي يكذب مرة يقوى في المرة الثانية أكثر عَلَى التفوه بالأكاذيب فتضعفه أخلاقه عَلَى تلك النسبة ويعود ويرتكب أفظع من ذلك وكذلك الحال في الاجتماعات فإن من يغوي فتاة يغوي فتى وهذان يغويان آخرين ومن تسومح في عقابه من المجرمين يعود فيبث دعوته في العقول ويكثر سواد أصحابه فيكثر في المجتمع الفاسدون.

الرجل المتحضر لا يقابل الرجل المتوحش أي الذي يعيش وحده بعيداً عن المجتمع نعم إن المدنية لا أثر لها إذا فقدت الصلات الاجتماعية ولكن الحياة الاجتماعية تستلزم عادات كثيرة وأشكالاً منوعة من الحياة وأساليب منوعة الصفات والحالات فقد قال اللغويون أن اللغويون أن المدنية هي مجموعة آراء وأخلاق تنشأ من الهمل المتبادل في الصناعات والديانات والفنون النفيسة والعلوم. وزاد بعضهم عَلَى هذا التعريف ما يلحق ذلك من المناحي العديدة في الصلات الاجتماعية كتبادل المحاصيل وتبادل العواطف والأفكار. بل أن هذا التحديد لا يشعر بأن المدنية كذا كاملة فرب شعب ذي مدنية ولكنها جميلة أو قبيحة رائقة أو غير رائقة إنسانية أو ظالمة عَلَى نحو ما يكون للمرء خلق حسن أو رديء فالصناعات قد تكون جميلة أو رديئة والأديان سليمة أو خرافية والعلوم نافعة أو ضارة.

كل شيء يرتقي مع هذه المدنية في مآكلها ومشاربها وملابسها وسائر حالاتها وما ننس لا