للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان طريق فاسكودي غاما إلى الهند حول رأس الرجاء الصالح طريقاً خطراً يتجرع فيه المسافرون كأس الضيم وتقتحم فيه السفن قحم الهلكات حتى كانت تتراخى مدة السفن الذاهبة إلى الهند فكانت تقضي في سفرها أكثر السنة ولم يكن وصولها معروفاً حق المعرفة ولذلك أجبرت التجار أن تخزن جانباً كبيراً من البضائع في مخازنها حذراً من أن لا يكون في مخازنها ما يفي بالمطلوب إذا ما أُعيقت السفينة عن الوصول إليهم في الوقت المعين. أما الآن وقد صارت مدة السفر ثلاثين يوماً لا غير فاستغنى التجار عن المخازن الكبيرة وابتدأت تطلب بضائعها من الشرق وهي عَلَى يقين من وصولها في الوقت المعين وزد عَلَى ذلك فإن نقل الحنطة من الهند واللحم من أوستراليا وزيلندا الجديدة لم يكن ممكناً قبل فتح الترعة أما الآن فقد صار من أوسع أبواب التجارة.

وقد أدرك كثيرون من رجال عظماء العالم كرعمسيس ونخو ودارا هتاسب وبطليموس ونابليون وغيرهم مكانة تلك الترعة التجارية فحفر رعمسيس الثاني سنة ١٣٠٠ ق. م ترعة وصل بها فرع النيل البلوسي بالبحر الأحمر وما كانت تصلح إلا لتسريب المياه وربما كان ذلك مقصده الأكبر. وعزم نحو سنة ٦٠٠ ق. م عَلَى تتميمها لولا ما أنبأه العرافون أن بحفرها ينتفع بها أعداء بلاده وما قرره أيضاً مهندسوه من أن مياه البحر الأحمر أعلى من سطح مصر فخاف عندئذ عَلَى بلاده وتوقف عن حفرها بعد ما أهلك فيها نحو ٢٠٠٠٠ نفس من المصريين. ثم اشتغل بها دارا هشتاسب وبطليموس الثاني كما أنبأنا التاريخ فحفرا تلك الترعة وبقيت إلى أن ردمتها الرمال قبل أيام طريانوس فأصلحها في القرن الثاني وعادت الرمال فردمتها مرة أخرى إلى فتوح العرب من سنة ٦٣٨ إلى ٦٤٠ فأصلحها عندئذ عمرو بن العاص قائد جيوش عمر بن الخطاب وسماها ترعة أمير المؤمنين. ثم طمها بعده الخليفة المنصور أبو جعفر ثاني الخلفاء العباسيين ليقطع الطعام عن محمد بن عبد الله حينما خرج عليه في المدينة فبقيت مطمورة من ذلك الحين إلى أن احتفرها الحاكم بأمر الله من الخلفاء الفاطميين في مصر وجعلها صالحة للملاحة حتى ردمتها الرمال مرة أخرى وبقيت الآثار تدلنا عَلَى ذلك.

ثم جاء نابليون إلى مصر ورأى آثار تلك الترعة فجال في خاطره أن يحتفرها فيقدر عندئذ أن ينقل جنوده إلى الهند فيجبر الإنكليز عَلَى الخروج من تلك الديار وهكذا عرض