مشروعه هذا عَلَى المهندس المسيو لوبير ووقع فغيما وقعت به المصريون من قبل وقال أن سطح البحر الأحمر أعلى من سطح البحر المتوسط بعشرة أمتار فإذا فتحت الترعة خشي من طغيان الماء. فبقيت المسألة عَلَى بساط البحث إلى أن قضت الأحوال بخروج نابليون من مصر فسقط طبعاً مشروعه وخرج وهو يردد هذه الكلمات: إن هذا العمل العظيم لم يقدر لي عمله ولعل الدولة العثمانية تسترجع عظمتها يوماً ما بإتمامه.
وظل مهندسو ذلك العصر يعتقدون بارتفاع سطح البحر الأحمر عن البحر المتوسط إلى أن قام المهندس الفرنساوي الشهير بوردالو سنة ١٨٦٤ وقرر ألا فرق بين ارتفاع البحرين فأنفذت فرنسا وإنكلترا والنمسا لجنة مؤلفة من المسيو تلايوت والمستر ستيفنس والسينيور بخرلي فتحقق الأمر عندئذ غير أن المهندس الإنكليزي لم يستصوب لسياسة فتح تلك الترعة ولخوفه انهيال الرمال عليها وخسارة الهند بذلك المشروع فعاد إلى وطنه وأضعف عزيمة مواطنيه فأثر فيهم كلامه وعدلوا عن إنشائها.
وبقيت تلك المسألة موضوع البحث إلى أن قضت الأمور بأن يتم هذا المشروع الخطير عَلَى يد دي لسبس المهندس الفرنساوي بد أن استقرى طويلاً ووقف عَلَى فحوى ما ارتآه المهندسون في ذلك المشروع وعرف أن تجارة البلاد تتضاعف بها كل عشر سنوات. وهكذا آلى عَلَى نفسه بأن يفتح تلك الترعة فألف شركة غنية تحت عنوان (شركة ترعة السويس العامة) لتقوم لهذا العمل فذهب إلى الآستانة للسعي في هذا المشروع فلم يلق هناك إلا ما يميت الآمال ويثبط العزائم وهذا آب إلى بلاده خجلاً وبقي مدة في وطنه إلى أن بلغه تولية سعيد باشا عَلَى مصر سنة ١٨٥٤ فأسرع إليه إذ كانت بينهما صداقة متينة العرى وأقنعه بوجوب فتح تلك الترعة التي بها يتوسع نطاق التجارة وتجر مصر ذيول الثراء فأثر فيه كلامه واقتنع بما قاله دي لسبس وعقد امتيازاً مع تلك الشركة يليه اثنا عشر بنداً أهمها أن مدة الامتياز ٩٩ سنة تبتدئ من يوم فتح الترعة وعند انتهاء المدة تستلم الحكومة جميع أعمال الشركة فتقوم مقامها في كل عمل وأضيف لهذا البند بأن يجوز للشركة إطالة المدة أو تجديد الامتياز بشرط أن تزيد ما تدفعه للحكومة من صافي الأرباح وأنها (أي الحكومة) تأخذ ١٥ في المئة من صافي الأرباح عدا ربحها من الأسهم التي تكون لها والخمسة والثمانين الباقية من المائة يعطى منها ٧٥ للمساهمين و١٠ في المئة للمؤسسين ثم