فلما استقر الملك للعرب وشمخ سلطانهم وصارت أمم العجم خولاً لهم وتحت أيديهم وتقرب كل ذي صنعة إليهم بمبلغ صناعته واستخدموا من النواتية في حاجاتهم البحرية أمماً وتكررت ممارستهم للبحر وثقافته واستحدثوا بصراً بها فتاقت أنفسهم إلى الجهاد فيه وأنشئوا السفن والشواني وشحنوا الأساطيل بالرجال والسلاح وأمطوها العساكر والمقاتلة لمن وراء البحر من أمم الكفر واختصوا بذلك من ممالكهم وثغورهم ما كان أقرب إلى هذا البحر وعلى ضفته مثل الشام وأفريقية والمغرب والأندلس.
وأول ما أنشئ الأسطول في مصر في خلافة المتوكل عَلَى الله العباسي عندما نزل الروم عَلَى دمياط سنة ٢٣٨ فملكوها وقتلوا بها جمعاً كثيراً من المسلمين وسبوا النساء والأطفال ومضوا إلى تنيس فأقاموا بأشتومها فوقع الاهتمام من ذلك الوقت بأمر الأسطول وصار من أهم ما يعمل بمصر وأنشئت الشواني برسم الأسطول وجعلت الأرزاق لغزاة البحر كما هي لغزاة البر وانتدب الأمراء له الرماة فاجتهد الناس بمصر في تعليم أولادهم الرماية وجميع أنواع المحاربة وانتخب له القواد العارفون بمحاربة العدو وكان لا ينزل في رجال الأسطول غشيم ولا جاهل بأمور الحرب هذا وللناس إذ ذاك رغبة في جهاد أعداء الله وإقامة دينه. لا جرم أن كان لخدم الأسطول حرمة ومكانة وكان ولكل أحد من الناس رغبة في أنه من جملتهم فيسعى بالوسائل حتى يستقر فيه.
وكانت الغزوات بين المسلمين والروم سجالاً ينال المسلمون من العدو وينال العدو منهم وياسر بعضهم بعضاً لكثرة هجوم أساطيل المسلمين عَلَى بلاد العدو فإنها كانت تسير من مصر ومن الشام ومن أفريقية فلذلك احتاج الخلفاء العباسيون إلى الفداء ولم يقع فداء في عهد الدولة الأموية وإنما كان ينادى بالنفر بعد النفر في سواحل الشام ومصر والإسكندرية وبلاد ملطية وبقية الثغور الخزرية إلى أن كانت خلافة الرشيد. فوجد أول فداءٍ بين المسلمين والروم سنة ١٨٩ وآخر فداء كبير كان سنة ٣٣٥ في خلافة المطيع فهي عهد الدولة الإخشيدية بمصر والذي شرع فيه هو الإخشيد محمد بن طغج.
وقويت العناية بأمر الأسطول في مصر منذ قدم المعز لدين الله وأنشأ المراكب الحربية واقتدى به بنوه وكان لهم اهتمام بأمور الجهاد واعتناء بالأسطول وواصلوا إنشاء المراكب بمدينة مصر والإسكندرية ودمياط من الشواني الحربية والشلنديات والمسطحات وتسييرها