للوداع جاءت القواد بالمراكب من مصر للحركات بين يديه وهي مزينة بأسلحتها ولبودها وما فيها من المنجنيقات فيرمي بها وتنحدر المراكب وتقلع وتفعل سائر ما تفعله عند لقاء العدو ثم يحضر المقدم والرئيس بين يدي الخليفة فيودعهما ويدعو للجماعة بالنصر والسلامة ويعطي للمقدم مائة دينار وللرئيس عشرين وينحدر الأسطول إلى دمياط ومن هناك يخرج إلى البحر فيكون له ببلاد العدو صيت عظيم ومهابة قوية.
والعادة أنه إذا غنم الأسطول ما عسى أن يغنم لا يتعرض السلطان إلى شيء منه إلا ما كان من الأسرى والسلاح فإنه للسلطان وما عداهما من المال والثياب ونحوهما فإنه لغزاة الأسطول ولا يشاركهم فيه أحد. وإذا قدم الأسطول خرج الخليفة أيضاً لمنظرة المقس وجلس فيها للقائه.
ولم يزل الأسطول عَلَى ذلك إلى أن كانت وزارة شاور ونزل ملك الإفرنج عَلَى بركة الحبش فأمر شاور بتحريق مصر وتحريق مراكب الأسطول فحرقت ونهبها العبيد فيما نهبوا. ولها ذكر يعود في ذكر الدولة الأيوبية وقد كان بمصر صناعات (ترسانات)
(١) وهي أقدم الصناعات صناعة الجزيرة بنيت سنة ٥٤هـ ثم اعتنى أحمد بن طولون بإنشاء المراكب الحربية في هذه الصناعة وأطافها بالجزيرة ولم تزل هذه الصناعة إلى أيام الإخشيد فحول موضعها إلى بستان المختار.
(٢) صناعة مصر بناها الإخشيد وكان موضعها يعرف بدار بنت الفتح بن خاقان زوج أحمد بن طولون والسبب في نقل الصناعة أنه رأى أن صناعة يحول بينها وبين صاحبها الماء ليست بشيءٍ فحول الصناعة إلى ساحل مصر سنة ٣٢٥ وكان إذ ذاك عندها عندها سلم ينزل منه إلى الماء وكانت مراكب الأسطول مع ذلك تنشأ في الجزيرة وفي صناعتها إلى أيام الآمر فلما ولي المأمون بن البطانحي أنكر ذلك وأمر أن يكون إنشاء الشواني والمراكب النيلية الديوانية بصناعة مصر وأنشأ بها منظرة لجلوس الخليفة يوم تقدمه الأسطول ورميه فأقر إنشاء الحربيات والشلنديات بصناعة الجزيرة وكان بهذه الصناعة دهليز ماء بمصاطب مفروشة بالحصر العبدانية بسطاً وتأزيراً وفيها محل ديوان الجهاد وكان يعرف في الدولة الفاطمية أن لا يدخل من باب هذه الصناعة أحد راكباً إلا الخليفة أو الوزير إذ ركبا يوم فتح الخليج عند وفاء النيل ولم تزل هذه الصناعة عامرة إلى ما قبل