والشام وينفقوا عليها من ريع تلك العقارات أو من مكاسب المصرف لخدموا المجتمع العراقي خدمة تذكر فتشكر وكانت الفائدة عامة، بل إن هناك ما هو أكثر فائدة وأعظم شأناً وهو أنهم ينشئون بأثمانها بواخر يسيرونها في نهر الفرات أو يمدون سكة حديدية بين بغداد وكربلاء فتقرب البلاد بعضها من بعض وتنمو الثروة وتزداد التجارة، ومن ريعها ينفقون عَلَى المدرسة، إذ هذا الزمن زمن التفكر بالمستقبل والعمل إلى ما فيه خير المجتمع لا وقت الكسل والخمول والانعكاف عَلَى القديم، وأي خير من خزائن لا تفيد الأمة في وقت الحاجة والضيق، في وقت يتسابق الأقوام إلى الاستضاءة بنبراس الحضارة ونحن في ظلمات الجهل تائهون، وتتراكض الشعوب إلى اقتطاف ثمار الفنون اليانعة ونحن عن ذلك لاهون، ولا أظن أحداً يعارض هذه الفكرة أو يحول دون إبرازها إلى الوجود سواء كان من رجال الحكومة أو من رجال الجعفرية هذا وإني أحث أدباء النجف عَلَى أن يكونوا أول القائمين بهذا الأمر لأنهم قادة العراق وذوو الأمر والنهي فيه، فينشئون مقالات في هذا الشأن مظهرين ارتياحهم لذلك، وربك الهادي إلى طريق الصواب.
٤ً نبذة من تاريخ كربلاء القديم والحديث
لم تكن كربلاء في العهد العيهد قبل الفتح الإسلامي بلدة تستحق الذكر، ولم يرد ذكرها في التاريخ إلا نادراً وأكثر ذلك في عرض الكلام عما كان يقع في الحيرة وقرى الطف من الوقائع. وكانت قبل أن يفتحها المسلمون قرية حقيرة عليها مزارع وضياع لدهاقين العجم. وكان سكانها أهل حراثة وزراعة وظلت كذلك إلى أن افتتحها المسلمون في عهد عمر ابن الخطاب سنة ١٤هـ ة٦٣٥م وكان الفاتح لها ابن عرفطه بأمر سعد بن أبي وقاص قائد جيوش المسلمين في حرب القادسية، وقد كانت العرب صممت عَلَى أن تجعلها مباءَة لجيوشها ومركزاً لإدارة ما فتحوه من ديار الحيرة فاتخذوها بادئ بدءٍ معسكراً ثم رحلوا عنها عندما أنكروا وخامة هوائها وكثرة ذبالها فنزلوا الكوفة. وإلى ذباب كربلاء أشار رجل من أشجع في قصيدته:
لقد حبست كربلاء عن مطيتي ... وفي العين حتى عاد غثاً سمينها
إذا رحلت من منزل رجعت له ... لعمري وايهاً إنني لأهينها
ويمنعها من ماء كل شريعة ... رفاف من الذبان رزق عيونها