للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأيدي التي تتناوله فتربح منه عَلَى حين لو جرت تنمية هذا المليون في البلاد الأجنبية لا تعود من ال فائدة بأكثر من ٤٠ إلى ٤٥ ألف فرنك.

إن من يهاجر إلى القاصية كمن يتركون قراهم ليستوطنوا المدن المجاورة ليبحثوا عن رفاهية أسمى مما تمتعوا به ويظنون بأنهم يحققون أمانيهم في النجاح بانتقالهم إلى محيط يصرفون فيه قولهم بما يعود عليهم بالنفع أكثر. ومعنى ذلك يدور عَلَى البحث عن أجرة أكثر وهذا هو الباعث الأول عَلَى هذه النقلة بل الباعث الوحيد فالأجور هي العامل الوحيد الذي يدعو الناس إلى التنقل في عصرنا ما أحب الهواء الجيد والحياة الاجتماعية ولطف الأخلاق وسلاسة العمل فليس لها محل من الإعراب في جملة هذه الحال.

ترى العامل في الولايات المتحدة وأوستراليا ينتقل من المدن ال القرى وبالعكس لأن الأجور واحدة في الزراعة والصناعة وكلها رابحة والقاعدة العامة في ذلك أن المدن والقرى تمسك السكان متى كانت أجورهم مضمونة وحالتهم مأمونة فقد قل المهاجرون من ألمانيا منذ كثرت صناعتها ونمت بحريتها وتجارتها ويقل المهاجرون من المجر وروسيا وإيطاليا متى حسنت الزراعة فيها وانتظمت أسباب التملك وجوّدت الأسباب الاقتصادية أي الأجور فإذا كانت البلاد الجديدة تستميل إليها المهاجرين بمئات الألوف بل الملايين فذلك لأنها توزع أجوراً عالية وأور با وإنكلترا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وروسيا والمجر تبقي اليد العاملة في الحقول إذا ارتفع سعر الأجور الزراعية وذلك لا يكون إلا بتنويع الزراعة وتكثير المحاصيل والمواشي وتكثير الإيراد ولو قلت أسعار الحاصلات.

إن هولاندة التي تعتبر مجموعها أرضاً فقيرة لأن في استثمارها صعوبة كثر سكانها اليوم كثرة زائد بفضل عملهم بحيث يحق عَلَى الهولانديين ما قاله فرنكلين بالقرب من رغيف الخبز يولد رجل والمرء كلما دفعته الحاجة يحسن الاحتيال عَلَى المعاش وأميركا وأستراليا إلى اليوم لم تستثمر من أرضها خيراتها كلها بل إن خصبها هو المساعد فقط عَلَى العكس في غربي أوربا فإن العمل هو الذي يستثمرها وبعد فإن المجتمعات لا تتحرك بالنظريات بل بالعمليات وكل نظرية تخالف المصالح الخاصة المبنية عَلَى العدل لا يتأتى أن تجري في العمل إلا إذا جعلت هذه المصالح قيد النظر.

غلاء المعيشة