سنة أربع وثمانين وخمسمائة ثم ولاه قضاء المعسكر والحكم بالقدس الشريف ولما توفي صلاح الدين كان حاضرا وتوجه إلى حلب لجمع كلمة الأخوة أولاد صلاح الدين وتحليف بعضهم لبعض وكتب الملك الظاهر غياث الدين ابن صلاح الدين إلى أخيه الملك الأفضل نور الدين علي بن صلاح الدين صاحب دمشق يطليه منه فأجابه إلى ذلك فأرسله الملك الظاهر إلى مصر لاستخلاف أخيه الملك العزيز عماد الدين عثمان بن صلاح الدين وعرض عليه الظاهر الحكم بحلب فلم يوافق على ذلك ثم ولي قضائها ووقوفها وكانت حلب في ذلك الزمان قليلة المدارس وليس بها من العلماء الأنفر يسير فاعتنى ابن شداد بترتيب أمورها وجمع الفقهاء بها وعمرت في أيامه المدارس الكثيرة وكان الملك الظاهر قد قرر له إقطاعاً جيداً يحصل منه جملة مستكثرة ولم يكن له خرج كثير فإنه لم يولد له ولا كان له أقارب فتوفر له شيء كثير فعمر مدرسة للشافعية وداراً للحديث في حلب ولما صارت حلب على هذه الصورة قصدها الفقهاء من البلاد وحصل بها الاشتغال والاستفادة وكثر الجمع بها.
وكان ببدء القاضي أبو المحاسن بن شداد حل الأمور وعقدها لم يكن لأحد معه في الدولة كلام وكان سلطانها الملك العزيز أبو المظفر بن الملك الظاهر بن السلطان صلاح الدين وهو صغير السن تحت حجر الطواشي شهاب الدين أبي سعيد طغرل وهو أتابكه وتولى أمور الدولة بإشارة القاضي أبي المحاسن لا يخرج عنهما شيء من الأمور وكان للفقهاء في أيامهم حرمة تامة ورعاية كبيرة خصوصا جماعة مدرسته فإنهم كانوا يحضرون مجالس السلطان ويفطرون في شهر رمضان على سماطة.
قال صاحب وفيات الأعياد بعد إيراد ما تقدم تحصيله وكان القاضي أبو المحاسن المذكور سلك طريق البغاددة في ترتيبهم وأوضاعهم حتى أنه كان يلبس ملبوسهم الرؤوساء والرؤوساء يترددون إليه وكانوا ينزلون عن دوابهم على قدر أقدارهم لكل واحد منهم مكان معين لابتعاده ثم أنه تجهز إلى الديار المصرية لإحضار ابنه الملك الكامل بن الملك العادل للملك العزيز صاحب حلب وكان قد عقد لهم عليها فار في أول سنة تسع وعشرين وستمائة وعاد وقد جاء بها ولما وصل كان قد استقل الملك العزيز بنفسه ورفعوا عنه الحجر ونزل الأتابك طغرل من القلعة إلى داره تحت القلعة واستولى على الملك العزيز جماعة من