ومن الإسكندرية إلى نابل في ٧٠ ساعة ومن نابل إلى رومية في أربع ساعات على السكة الحديدية والبخار والكهرباء هما صفوة العلم الأروبي بل المثال الحي من هذه المدينة الحية التي سيعم فضلها كل بقعة من بقاع الأرض شاء أهلها أم أبوا. فتحيا الأمم التي تقوم بما قامت به أمم الحضارة الحديثة وتموت لا محالة الأمم التي لها من حكومتها أو من تقاليدها أو من ضعفها ما يعوقها عن الانبعاث والحركة.
تهتز نفس الشرقي وأي اهتزاز عندما يدوس ارض الغرب وتتوارد الخواطر عليه والتذكارات والمؤلمات وتتنازع عوامل المنشطات والمثبطات. هكذا كان حالي يوم أزعجني القدر منذ أربع سنين فنزلت مرسيليا ثغر الفرنسيين وهكذا أنا اليوم وقد وافيت نابل ثغر الطليان. وليس في هذه الفرضة من جديد فان حركة المدن الساحلية والعواصم الغربية واحدة إجمالا تكاد تتشابه لأنها قائمة بالعمل قوامها انتظام أحوال تلك الحكومات وتناغي سكانها بوطنيتهم وذهابهم بفضل العلم والنشاط وتميزهم بالذوق واللطف.
من أجل هذا كانت نابل مماثلاً مصغراً من حضارة الطليان ورومية وهذه هي العاصمة المثال المكبر والفرع يدل على أصله والكتاب يقرأ من عنوانه. لم يتسع لي الوقت وقد قضيت يوما في نابل ان أزور معالمها وكليتها وآثار بومي الرومانية خصوصاً وهي على مقربة منها لأنني في صدد البحث عن تاريخ أجدادي وبلادي لاتهمني أولا إلا الغاية التي أنا قاصد لها من البحث عن المخطوطات حتى إذا كان في الزمن متسع ازور من معاهد هذه الديار ومصانعها ما نستفيد منه عبرة لنا ولامتنا وينفعنا في الأخذ بمذاهب الرقي ان صحت نياتنا عليه.
إلى ساعة كتابة هذه السطور لم أتمكن من معرفة شيء من أحوال ايطاليا اللهم إلا ما هو معروض في الأزقة والشوارع والساحات ومحال القهوة والمنتزهات وهذا لا يبني عليه حكم ومع ان البقة الراقية تكلمك باللغة الفرنسية وكذلك تتخاطب مع أهل الفنادق والمخازن الكبرى وبعض الأماكن العمومية فانك تجد صعوبة في التفاهم مع جميع طبقات القوم لجهلك لغتهم الوطنية. هذا تقارب مع اللغتين الفرنسية والايطالية إحداهما من الأخرى واللغات اللاتينية أي الفرنسية والايطالية والاسبانية والبرتغالية متشابهه لأنها من أصل واحد كما ان اللغتين الألمانية والانكليزية متشابهتان لأنهما من أصل سكسوني واللغة