انحطت الحضارة عندنا والفنون الجميلة آخر ما تستعيده الأمة الناهضة وأول ما تفتقده المنحطة وما الغناء والموسيقى إلا من الفنون الجميلة فارتقاء صناعة الغناء والموسيقى في الأمة دليل ارتقائها فهما محركان عظيمان لأرواح أبنائها ومهمازان قويان لترقية شعورهم وتحسين عواطفهم يصرفون فيهما آونات الفراغ فيدخل بهما السرور على القلوب.
تصدر هذه العجالة من بلاد هي مهد الرقص والغناء والموسيقى من أرض أين اتجهت في حواضرها وبواديها تجدها تطرب وتتغنى من بلد قام فيها من الموسيقيين القدماء أمثال روسيني وبلليني ودونيزيتي ومن المحدثين أمثال فردي وبوتنشيني وما سكانية وليون كافاللو ومن المغنيين في المحدثين بونشي وماركوني وكاروسو ود يللوكا وباتستيني وغيرهم من المغنيات والموسيقيات ممن أعظمت الأمة واحاتهم في منزلة علمائها وفلاسفتها ورجال نهضتها.
وكل ما نراه من الموسيقى ونسمعه من الغناء يكون على ضرب النوتة بأدوار وتقاطيع مخصوصة وهو ما لم يتم حتى الآن عند العرب اللهم إلا الموسيقى الوترية في مصر ولما يعم استعمالها فإذا أصبحت موسيقانا وغنانا ضمن دائرة القانون يكون قد وضع الحجر الأول في أساس نهضة هذه الفنون الجميلة في شرقنا العربي على نحو ما جرى عليه سكان الأستانة وأفلحوا فيه من تقليد الأوروبيين في موسيقاهم وغنائهم.
الموسيقى والغناء هما مثال من حالة النفس ومن لا يريد أن تكون نفسه شفافه براقة حساسة ولكل أمة غناؤها قد تتبرم به الأمة الأخرى وتعد منكراً ولكنه يفيدها ويلذها كما ذكر ابن زندقة الاسكندري من سياح القرون الوسطى في وصف أهل شلشويق (أي أهل شلزويك هولستايين في شمال ألمانيا) وقال أن لهم نوعاً من الغناء يشبه عواء الكلاب ولو فهم معناها لما حكم هذا الحكم الذي يقوله اليوم أيضاً كل من لا يعرف لغة غيره ولا تأثير موسيقاه وغناءه ومراميها.
اللذائذ الثلاث هما من أول ما تدور عليها الحياة الغربية اليوم ولا تضر بالوقار بل تعد من أدوات الظرف والكمال ولعل شرقنا يحتذى في الموسيقى والغناء حذو الغرب مع تعديل تقتضيه طبيعته وعاداته واشتغال البيوت أو لأصحاب آونة الفراغ بضرب من ضروب الموسيقى والغناء أنفع ألف مرة من لغو الحديث وانتقاض بعضهم بعضاً والحط من أقدار