للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رجال الكهنوت عندهم شاهدة بذلك.

لذائذ الغريين

قرأت في الصحف الباريزية أن إمبراطور ألمانيا منع ضباط مملكته من رقص التانغو وألوان ستب في الحفلات الرسمية وكذلك فعل ملك الانكليز وهما رقصتان قيل أنهما من أصل أمريكي في أقصى ما يكون من الخلاعة خلافاً للرقص الذي اعتاده الأوروبيون في حفلاتهم الراقصة خاصة كانت أو عامة.

ولعل الآن بعضهم يقول وأنت الآن تحدثنا عن الرقص وأمامك محيط أوروبا وكله مما يستملي القرائح مهما كانت كليلة للكتابة والتأمل. نعم أن البحث في الرقص هو مما يجب البحث فيه أيضاً لشرقي يبحث في مدنية الغربيين.

إننا بحسب عاداتنا واصطلاحنا سكان المدن العربية لا البوادي ننكر الرقص ونعده حطة ولكن الغربيين يرون غير رأينا فيه. يرونه من الحاجات الطبيعية لبسط النفس ولذلك لا تكاد ترى الكبير والصغير والرجل والمرأة إلا ويعتادون الرقص على أنواعه من غير نكير اللهم إلا رقص التانغو وألوان ستب فإن العقلاء أنكروه لأنه باعث الشهوات البهيمية ومخرج للرقص عما وضع له.

والرقص في الغالب يكون على إيقاع النغمات الموسيقية على لحن متساوق وربما أشفع بغناء. فالرقص والموسيقى والغناء هي من المستحبات وربما تجوزنا وقلنا من الواجبات في بلاد الغرب لا يعد الفتى ولا الفتاة من أهل الظرف بدون الأخذ بحظ وافر منها فكأن الغربيين رجعوا في مدنيتهم إلى الفطرة الأولى وذلك لأنا نرى سكان البوادي في الشرق أيضاً يرقصون ويغنون ويضربون بطبل أو ينفخون بمزمار. أمور يأتونها على الفطرة وعلى حال أولية ولكنها على كل حال تدل على أن سكان غير المدن في شرقنا أقرب إلى الفطرة من المتحضرين.

كانت الطبقة العالية من رجالنا أيام رقي العرب في الأندلس ومصر والشام والعراق والجزيرة وفارس وغيرها من البلاد التي تأصلت فيها الحضارة لا تستنكف من الضرب بالعود أو غيره من أدوات الطرب أو ترفع أصواتها بالغناء ولا ينكر عليها ذلك ولطالما كنت ترى بينهم الفقيه والمحدث والطبيب وصاحب الوقار من القضاة والعمال.