الحكومة المركزية أو يجعله مستحيلاً فاقتضى من ثم أن تترك للعمال المحليين سلطة سيئة التحديد وكذلك للوكلاء السياسيين في البلاد الشاسعة سلطة الحل والعقد إلا قليلاً واستدعى ذلك التخلي عن قبول الاستعلامات عن سلوك الوكلاء لإجراء المراقبة عليهم مباشرة.
وقد عد التلغراف الهوائي من اختراع من اختراع شوب من الارتقاء العظيم ولكنه لم يكن يستطيع سوى نقل برقيات نادرة في أوقات الصحو ثم وضع التلغراف الكهربائي بعد سنة ١٨٥٠ فتمكنت به الحكومات من الاستعلام والعمل في الحال في كل الأبعاد فشعر العالم في الحال بنتائج ذلك في المخابرات السياسية فاستلمت الحكومات بوقوفها على أقل حادث زمام المسائل الخارجية بأجمعها وأصبح وكلاؤها في الخارج أدوات نقل. أما في السياسة الداخلية فإن التلغراف قد أكثر الصلات بين الحكومة وعمالها وإن لم يحذف في الأمور الإدارية ما بقي من الأدوار الماضية للتلغراف في صورة كتابة أصبحت لغواً ونسي المخترعون حذفها. فإن التلغراف بتقويته عمل السلطة المركزية زاد المركز قوة.
أما السكة الحديدية فقد قلبت البريد وهو من الأوضاع القديمة محدود بضعف أسباب السحب وذلك بأعدادها قوة للنقل تزيد عدد المراسلات وتنزل قيمتها على نسبة لم تكن تصدق فقد كان في أوربا بحسب إحصاء مكتب البريد الدولي سنة ١٨٩٠ - تسعون ألف مكتب بريد أرسل منها عشرة مليارات إرسالية. وعليه فإن السكك والطرق والبرد بتسهيلها حركة الناس والرسائل قد نشطت جميع الأعمال العامة والحياة السياسية نشاطاً كثيراً فتيسر بفضلها وضع إدارة بعملها المنظم المتواصل أصابت سكان القرى القاصية وأتت على مواطن متوحشة كانت باقية في أوربا وسط البلاد التي هي أكثر عراقة في المدنية. ونظمت الشرطة البوليس في كل مكان على مثال الدرك (الجندرمة) الفرنسوي فقضت في أوبا على أرباب الدعارة والشقاوة حتى في الغابات وفي الجبال.
ودخل جميع السكان في الحياة السياسية بوسائطهم المنظمة مع عمل القضاء والجباية والجندية والإدارة. وطرق المواصلات الحديثة قربت بين رجال السلطة العامة وبين المتقاضين والمكلفين (بالخراج) والمرؤوسين وبذلك أصبحت الصلاة أشد تأثيراً وأقل كلفة وبهذه الوسائط أيضاً أتيح للأحزاب السياسية أن يبثوا دعوتهم ويعقدوا اجتماعاتهم على أيسر سبيل.