فألم بأكثرها إلماما كافيا لتكون له عونا على فهم أسرار الشريعة أما وقد جمع الفضيلتين فلا تجد لكلامه مسحة من الجمود المعهود لكثيرين ممن يقتصرون على العلم والعلمين ويعدون ما عداهما لغوا. فهو عالم ديني كامل ولكنه كان يقرأ العلوم المدنية ويطالع صحفها ومجلاتها وكتبها الحديثة كما يطالعها المنقطعون إلى هذه العلوم وزيادة ولا ينكر شيئا يقال له علم أو فن ولذلك لم يمجه العصريون ولا غيرهم.
ربما قال من لم يعرف أن هذا كلام صديق فجع بصديق تسلسلت الصداقة بين بيتيهما منذ نحو ثمانين عاما وعين الحب ومداء أما أنا فلا أحيل المعترض إلا على الرجوع إلى كتب الشيخ وقراءة بعض ما طبع منها وتحكيم العقل والإنصاف وأنا الضامن بأنه لا يلبث أن يساهمني قولي ويوقن بأن المرحوم جود تآليفه التي تنم عن عقله وعلمه أكثر مما جودها كثير من متأخري المؤلفين من بعد عصر السيوطي ممن شهد لهم بالإجادة ولو سمحت له الحال أكثر مما سمحت ومتع بحرية القول والعمل أكثر مما متع لجاء منه أضعاف ما جاء ولكن ضيق العيش وضيق المضطرب لا يرجى منهما أكثر مما تم على يد فقيدنا العظيم من الأعمال والآثار وقد أغلقت دونه أبواب الدواعي والبواعث رحمة الله وبارك لنا قيمن خلف من مريديه ومعاصريه ومن ساروا بسيرته حتى لا تقع على مضمون الحديث: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.
وقد كتبنا في تأبين الشيخ غداة وفاته في جريدة الإصلاح ما نصه: لا تحضرني عبارة تشعر بمبلغ الحزن الذي نال دمشق بفقد عالمها الكبير وأستاذها العالم التحرير فقد كان أحد أفراد هذا العصر المعدودين في التحقق بأسرار الشريعة. وهو ولا مراء عالم الكتاب والسنة بلا مدافع خلق ليعمل على بث الدين المبين خاليا من حشو المتأخرين الجامدين وتضليل المخرفين والمعطلين.
لم يكد فقيدنا العزيز يطرق هذه الموضوعات ويهيب بالناس إلى الأخذ بمذاهب السلف ويتلطف في إبلاغها العقول المظلمة في دروسه وتآليفه حتى أخذ بعض أهل الجمود يغتابونه ويحذرون عوامهم بدون برهان من الأخذ عنه ولكن ظلمه تقليدهم ما لبثت أن انقشعت بنور اجتهاده وتراجع أمر خصومه بعد قليل وقد بهر الناس فضله وعلمه وأنشأ