للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمناحي. وعندي أنه لا غنية للناقل من لغة أوربية عن التلخيص مهما حاول أن يطبق مفاصل اللغة العربية على لغته فإن للغربية اصطلاحات قلما توافق ذوق لغتنا ولهم معان لا يفهمها من عرف أولئك الأقوام وتاريخهم ومجتمعهم. وهذا غير ميسور لكل الناس.

وبعد فقد ضعف القائمون بأمر الكتابة والتعريب ودامت الأمة العربية زهاء خمسة قرون وقد انقطعت منها الترجمة والنقل بانقطاع العلوم وضعف أهل العربية وارتقت اللغات الأخرى ونمت ألفاظها العلمية ومعانيها المدنية حتى أدت الحال بالكاتب العربي اليوم إذا أراد وصف منضدة عمله وردهة مجلسه وما يقع نظره عليه كل حين من أنواع الآنية والماعون وكليات الأمور وجزئياتها أن لا يجد في حافظته من الألفاظ ما يسد هذه الثلمة اللهم إلا كليات ألفاظ لا تتعدى الأغراض اليومية الشائعة من المؤاكلة والمعاشرة حتى بين أبعد الناس عن مذاهب الحضارة وما ذلك لقصر اللغة عن بلوغ هذه الغاية ففيها لو تصفحنا ما انتهى إلينا من كتب القوم مادة تكفينا ولو بعض الكفاية دون أن نلجأ في التعريب إلى اللفظ العامي أو المبتذل أو الأعجمي أما الألفاظ العلمية فالأحرى بنا أن ننحتها أو ننقلها على أصلها إذا لم تخالف الأوضاع العربية أو نجد لها ما ينطبق عليها من اللغة ولو ببعض تكلف كما فعل المترجمون في القديم.

فسر ابن جلجل الأندلسي أسماء الأدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس العين زربى وكان ترجم ببغداد في أيام جعفر المتوكل ترجمه اصطفن بن بسيل من اليوناني إلى العربي وتصفح ذلك حنين بن اسحق فصحح الترجمة وأجازها فما علم اصطفن من تلك الأسماء اليونانية في وقته له اسماً في اللسان العربي فسره بالعربية وما لم يعلم له اسماً تركه على اسمه اليوناني اتكالاً منه على أن يبعث الله بعده من يعرف ذلك ويفسره باللسان العربي إذ التسمية لا تكون بالتواطؤ من أهل كل بلد على أعيان الأدوية بما رأوا أن يسموا ذلك إما باشتقاق وإما بغير ذلك من تواطئهم على التسمية وبقي الكتاب على الترجمة البغدادية بالأندلس إلى أيام الناصر عبد الرحمن بن محمد فكاتبه أرمانيوس ملك القسطنطينية وهاداه بهدايا منها كتاب ديسقوريدس مصور الحشائش بالتصوير الرومي العجيب وكان الكتاب مكتوباً بالإغريقي الذي هو اليوناني وبعث معه كتاب هروسيس (؟ هيرودتس) صاحب القصص وهو تاريخ للروم عجيب فيه أخبار الدهور وقصص الملوك الأول وفوائد