منهم القلوب وصمت الإفهام فهم لا يدركون شيئا مما يتجاوز دائرة شخصهم الصغير لكني أرى الأمر عجباً بل فظيعا من رجال نحسبهم نوابغ زمانهم وقادة أفكار العالم. لم يذكر شعراء اللاتين من المرأة إلا جمال جسدها وليس في قصائدهم ما يدل على تلمس آثار النفس وراء ظواهر الجسد وجميعهم متفق على تسميتها الشيطان الجميل أو ينبوع المسرات السامة وشعراء اليونان اسخيلوس واوربيدس وغيرهما يسمونها - ببساطة كلية! - بلية العالم. أما الفلاسفة فاكتفي بان اذكر هنا أفلاطون، أفلاطون الإلهي الذي يعتبره تاريخ الفكر امة بأسرها أفلاطون ذا الأحلام الغامضة والمبادئ السامية الذي لم يترك موضوع إصلاحي سياسي أو أدبي إلا عالجه رغبة في إسعاد العالم - أفلاطون لم يفكر قط في تحسين حالة المرأة ولم يهتم في درس أخلاقها واستكشاف درجتها العقلية والاستعدادية. ماذا قال! إن أفلاطون هذا قضى حياته آسفا لأنه ابن امرأة وكان يصرح بذلك تصريحاً بازدرائه بأمه ويعتقد أن من كان جبان من الرجال في هذا العالم فمنذ ولادته في عالم أخر تتقمص روحه في جسد حيوان أو في جسد امرأة.
وما علم أفلاطون أن امرأة ستتعلم فلسفته في (مدرسة الإسكندرية) وان تلك المرأة لا يمنعها شبابها الغض وجمالها الرائع أن تكون اعلم علماء عصرها. تلك هي الفتاة هيباثيا ابنة ثيونوس الرياضي الشهير التي قتلت رجماً في شوارع الإسكندرية في أوائل القرن الرابع فذهبت شهيدة علمها وإخلاصها ورغبتها في إشهار التعاليم الأفلاطونية.
أول من عطف على المرأة واسمعها كلمات الإشفاق والغفران هو يسوع الناصري. وهو أول من سوى بينها وبين الرجل إذ جعل لهما خطة واحدة تفضي إلى ثواب واحد وإلا فللضالين عقاب واحد. على أن النصرانية حرمتها من وظائف الكهنوت وما برح طائفة اللاهوتيين يعتبرونها قارورة الخطايا والآثام!
ثم جاء نبي الإسلام فرفع شانها أي رفعة في بلاد العرب إذ حرم واد الفتيات وسواها بالرجل في جميع الحقوق والواجبات إلا في الشهادة والميراث فان امرأتين اثنتين تساويان رجلاً - وفي ما عدا ذلك فهي والرجل سواء في جميع الحقوق المدنية ويقول العارفون أن لها الحقوق السياسية أيضاً. والمسلمات لهن إن يكن فقيهات وكانت أول فقيهة منهن عائشة زوجة صاحب الشريعة الإسلامية الذي قال لقومه: خذوا دينكم عنها!.