فحروب تلك الشعوب القديمة وغزواتها المتواصلة وحروبها الساحقة كانت برهاناً قاطعاً على انفصام عرى الجامعة السورية إذ ذاك. وقد دام حكم ملوك الآشوريين في سورية نحو ١٥٠ سنة لم يتمتع السوريون في أثنائها براحة ولم يصف لهم كأس الهناء بل كانت تلك المدة الطويلة سلسلة متاعب وحلقات مصاعب ولدت الشقاء والذل والهوان.
أما الاثنان والثلاثون ملكاً من اليونانيين فقد حكموا سورية نحو ٢٦٩ سنة وكان تاريخ سورية في أيامهم مملوءاً بأخبار الانقسام الذي حصل بعد وفاة الإسكندر وبالحروب المظلمة التي جرت في عهدهم وبالمطامع اليونانية التي ظهرت بكل مظهرها وقتئذٍ وكانت من أشد الويلات وأشأم النكبات على الأمة السورية.
اختلف المؤرخون من العرب والفرنجة في تعيين السنة التي استولى فيها الرومان على سورية اختلافهم في غيرها من المسائل التاريخية ولاسيما العريقة في القدم. فقال بعضهم أن بدء حكم الرومان في سورية كان سنة ٦٤ ق. م وقال غيرهم أنه كان سنة ٦٥ ق. م ومهما يكن الاختلاف عند أرباب البحث والتنقيب من أهل العلم والسير فقد كان استيلاء الرومان على سورية في سنة ٦٤ ق. م أو في السنة التي بعدها.
بلغت مدة حكم الرومان في سورية سبعمائة وسنتين. وكانت ستمائة وثماني وثلاثين سنة من أغسطس قيصر إلى هرقل. وكان بمبايوس افتتحها بنحو ٦٤ سنة قبل أن تولاها أغسطس قيصر. ولقد بدأ حكم الرومان في القطر السوري وبدأ معه النزاع والشقاق والخصام والاستبداد والأنانية. فقد كان الخصام سائداً بين أفراد عائلة هيرودس الملك المشهور بالأوصاف الشريرة. وذلك من أول عهد استيلاء الرومان على سورية إلى أوائل القرن الأول للميلاد. فقتل هيرودوس أرسطوبولس من أسرة المكابيين ثم قتل مريما زوجته وإسكندره أمها وابنة إسكندره وأرسطوبولس المقدم الذكر وحارب العرب وكانت البلاد متضعضعة في أيامه.
ومن يطالع تاريخ عائلة الهيرودسيين ولا يرميها بالظلم والعار والشنار؟ ومن يعلم أن هيرودس الملك قتل جميع الصبيان في بيت لحم وكل تخومها من ابن سنتين فما دون ولا يقول أن هذا شقيق لنيرون الظالم الشهير في الشر والمجازر الهائلة التي لا يزال صداها يرن في مشارق الأرض ومغاربها.