الشجاعة التي تورثها صناعة حمل السلاح فكانت معاونة الإسرائيليين ما عدا بعض الشواذ مالية أكثر منها شخصية وعظمت معاونتهم المالية في هذا السبيل حتى أن الحكومة المؤقتة في ميلان بالنظر لما ادروا عليها الإسرائيليون من المال بعد مغادرة النمساويين للبلاد قد شكرتهم على إعاناتهم الكريمة في سبيل الحرية.
وما كان القسيسين غرباء عن هذه الحركة فان أول من صاح ايطاليا واحدة وحرة كان قساً فمات في هذا السبيل وأخر من قضى في هذا المقصد هو قسيس أيضا كان في صحابة إسرائيلي. وكان هذا شأن جميع المستنيرين من عامة طبقات ايطاليا يريدون أن يحيوا وطنهم ولا يبقوه ارض الأموات. وما صادقته هذه الدعوة من العواطف في طبقة رجال الدين لا يعجب منها إذا علم أن البابا يبوس السابع كتب إلى الكونت بورو بمناسبة أعضاء جمعية الكاربوناري الثورية: أنهم يحبون ايطاليا وأنا أحبها مثلهم وكذلك كان الأشراف الذين لم تكن لهم مناصب تشغلهم في الحكومة وأقصاهم الملوك عن قربهم فإنهم شاركوا في الحركة الجديدة حق المشاركة.
قلنا الكاربوناري وهي جمعية اشتقت من الجمعية الماسونية وأعضاؤها من الجند والضباط على عهد نابليون فقامت منذ سنة ١٨٢٠ بثورات عسكرية في مملكة نابولي أولا ثم في معظم إمارات ايطاليا ولكن قلة عدد أعضائها وفقدان المرددين لأعمالها غادرت حركاتها قاصرة. ولما قام مازيني الكاتب الذي كان متأثرا يرمي إلى إنهاض ايطاليا وجد أنصارا وأعوانا وان كان العيب الوحيد انه كان يتعجل قطف الثمرة قبل نضوجها. ويضيق المجال إذا أردنا إحصاء من دعوا إلى هذه الوحدة ومنهم الراهب فنسانزو جيوبرتي الذي اغضب الكنيسة بعمله فقضى أخر أيام حياته شريدا في باريس لأنه قال بضرورة فصل السلطة المدنية عن السلطة الدينية ومنافع ذلك للسياسة والأخلاق.
وكانت نيران الثورة تشتعل تارة وتخمد أخرى فيظن أن البلاد عادت إلى حالتها من الأمن والطمأنينة ثم لا تلبث فوهة البركان أن تقذف حممها وقد انفجرت لأخر مرة يوم قامت فرنسا وقلبت الملكية ونادت بالجمهورية وأخذت تهتز أعصاب أوربا فتحركت ايطاليا من أقصاها كأنها متأثرة بمجرى كهربائي فقامت قيام الرجل الواحد من بلاد الألب إلى صقلية أي من الشمال إلى الجنوب وظهر أن الملوك تظاهروا بالاشتراك بالحركة والبابا كذلك وان