الأشراف والطبقة الوسطى من الأحرار يدركون ضرورة نشر هذه الحركة بين العامة فانشئوا يدخلون التعليم إلى القرى. وكان تكثير سواد القائلين بفكر التجدد وضم الشمل في المدن قد تسهلت أسبابه بارتقاء مستوى العقل في الشعب واستعداده لقبول الجديد ولكن بث الدعوة كان خطرة ولطالما أعار بعض الكتيبين مؤخرة حوانيتهم لعقد الاجتماعات ليتهامس فيها المتهامسون بأفكارهم وإعمالهم وأحلامهم في المستقبل ونهضة البلاد.
ثلاثة عوامل أعانت على تخمير هذه الثورة الجديدة وتنمية بذورها كبار الضباط والموظفين على عهد نابليون والجمعيات السرية ورجال الشرطة ومعظمهم كانوا دخلوا في الجمعية الماثونية فتعلموا فيها أساليب الاجتماع وجمع الشمل وحب النظام وبالنظر لحالة البلاد إذ ذاك لم يتأتى أن تنعش من سقطتها إلا بجمعية سرية وذلك لما عرى الأخلاق من انحلال وضعف ولقلة عدد أرباب الشخصيات الراقية فكثرت الجمعيات السرية من اجل ذلك في البلاد كلها وكان أشياعا بإكثار أولا بالكليات فدخل فيها أبناء الطبقة الوسطى وكثير من أبناء الأسر الكبرى وجماع الإسرائيليين وكان أكثر الداخلين مدفوعين إلى ذلك بعامل المنفعة الشخصية الممكنة وكلهم يرمون إلى جمع شمل الوطن.
كان للإسرائيليين في هذه الحركة الكعب المعلى فإنهم وان كانوا في ايطاليا اقل حيفا من حيث مادياتهم خلافا لما كانوا عليه في سائر أوروبا لكنهم كانوا خاضعين لقانون يحرمهم من الوصول إلى المناصب التي يؤهلهم إليها ذكاؤهم وثباتهم المتواصل على العمل ولقد علمهم احتقار الناس لهم فضائل تجرد منها ظالموهم فكانوا محتقرين وسذجا في الصورة الظاهرة ويتذكرون أحيانا شيئا من الخير الذي نالهم ولكنهم لا ينسون على الدوام العار وهم على ثباتهم وحسابهم للعواقب قد أصبحوا متضامنين بداعي مقاومتهم للعدو المشترك يكتمون أمرهم ويسرون ما يجول في قلوبهم وهم قد اثروا إثراء مهما فكانت منهم قوة لا تعادلها قوة لمقاومة نظام سياسي تكرهه نفوسهم.
فلم يكونوا يعتقدون في وحدة ايطاليا قلب الأوضاع التي طالما قاسوا منها الأمرين بل كانوا يرون فيها صورة من صور الانتقام من انكلترا المسيحية في رومية الباباوات ولذا يمكن أن يقال في ذلك العهد أن جميع الماسون في ايطاليا لم يكونوا كلهم إسرائيليين فان جميع الإسرائيليين كانوا ماسوناً وإذ كانت القوانين والعادات تبعدهم عن الحياة العسكرية فقدوا