الرومانية إلى القسطنطينية تراجع أمر الدور المادي والنفسي والروحي هو دور ظهور النصرانية التي توفر الإمبراطور قسطنطين على نشرها وجعل عاصمة بلاده القسطنطينية فمضى ٧ قرون على ذاك العهد تنصرت أوروبا وتم عمل الدين إلى أواخر القرن العاشر للميلاد.
وفيا ١٤ بدأت تظهر تباشير دور النهضة التي أريد بها تحرير العقل الإنساني من قيوده. والدور الثالث هو الذي نحن فيه والقرن الأخير كان أرفا أيامه وبه ظهرت إيطاليا بمظهر الدول العظمى واستقامت لها حياتها السياسية وتبعتها ثائر الأشياء ولا تستقيم حياة أمة بدون أن تستقيم حياتها السياسية واستقامة السياسة نتيجة ارتقاء العقول وارتقاء العقول لا يكون بغير قبول المدينة الحديثة والأخذ بأساليب التي اتخذها السابقون في مضمار التحضر.
ومن أمعن النظر في هذه النبذة يدرك أن كل نهضة غير متعذرة وأن أمم بلغت من الشقاء مبلغا كبيرا وتيسر لها بقوة الإرادة وإخلاص المستنيرين من الوطنيين أن تغلبت على جميع العوائق وكونت مجموعا يفتخر به وحررته من قيوده الثقيلة ومن رأى إيطاليا أمس يجوس النمساويون أو الفرنسي خلال دياره أو يستعبدون أبنائها ويرى الطليان اليوم وقد آلفو مجموعا حيا ودولة قوية وهم في حكومتهم الملكية أكثر حرية من الفرنسيين في حكومتهم الجمهورية على رأي بعضهم - من رأى ذلك لا يقول بان في العالم شيئا مستحيلا. وان قوة العقل والثبات على العمل تفعلان أكثر من كل قوة في الأرض.
في ايطاليا الحديثة عيوب كما في سائر الممالك وهذا يتعذر على السائح الشرقي في بلادها أن يدركه ولا يحل له أن يخط فيه حرفا لأنه لا يرى إلا الظواهر خصوصا ما عدم معرفته لغة البلاد فانه يبقى كالأصم الأخرس وليس ارتقاء الطبقة المستنيرة هو الميزان الوحيد في معرفة أقدار امة وكم عند الطبقة الوسطى والدنيا من الفضائل ونقيضها ما تؤخذ منه حقيقية شعب وذلك لا يتيسر إلا لمن عاشر الطبقات كلها وصرف زمنا طويلا في أصقاعهم المختلفة وحكم العقل والإنصاف في ما يكتبوا بعد درس العادات والأخلاق والتنظير بينهما وبين ما يماثلهما من الشعوب الأخرى.
وغاية ما يستطيع المفكر أن يقول به إذا رأى ايطاليا أن بينها وبين الشرق القريب من الفروق أكثر مابين مصر أو الشام أو السنغال أو بلاد نيامنيام يشهد هنا بكل شيء قياما