فأتى على تاريخ الفقيد وسر نبوغه وإغراضه الكامنة في صدره منذ نعومة إظفاره في المبادئ السياسية والاجتماعية والتشريعية.
وبعد إن أتم الخطباء خطبهم تقدم محمود بك نبيه المصري والقي مرثيه وتلاه الشيخ عبد الوهاب النجار المدرس بمدرسة البوليس قارئا لقصيدة الشيخ عبد المحسن الكاظمي شاعر العراق التي أجمل فيها العزاء لكل مصاب بهذا الفقيد سواء في مصر أو غيرها.
ثم تلاه الشيخ عبد المطلب المدرس بمدرسة القضاء الشرعي فاسترق النفوس بما أودعه في قصيدته من الحقائق عن الفقيد العزيز ثم قام بعده خليل أفندي مطران فالقي قصيدة بليغة. وبعد ذلك هم سعد زغلول باشا شقيق الفقيد ومن كبار رجال مصر إلى مكان الخطباء ليقدم بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن عائلته الحزينة شكره للأمة المصرية على ماجبرت من خاطرهم فخانته قواه وارتج عليه باب القول ففاضت عبراته وقال كلمة متقطعة في ذلك.
فما قاله رئيس النظار وهو من نبغاء مصر في العلم والقضاء أيضا: فان كنتم قد اجتمعتم اليوم مدفوعين بما عليكم الوجدان بتمجيد ذكراه وتعداد مناقبه ومآثره فإنما انتم تدلون بعلمكم هذا على ما كان للفقيد من المكانة الرفيعة في نفوسكم وعلى إنكم تعرفون أقدار الرجال.
اشتغلت أنا والفقيد في نظارة الحقانية زمانا طويلا كان فيه ساعدي اليمين، وكان لي نعم المعين. واليتني كنت افتتح اليوم هذه الحفلة لا لتأبينه بل لتكريمه حيا ومستمرا على تأدية خدمة الجليلة لوطنه فانه والحق يقال كان من اكبر مظاهر الرقي العقلي في وادي النيل.
وقال ناظر الحقانية وهو من رجال العلم والقضاء أيضا:
إلا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل
باطل هذه الدنيا بما فيها واكبر باطل فيها الحياة كالبرق خلاب بشدة السنا فإذا الظلام في عقبه أو ادني. وقلما يفكر الأحياء في هذه الحقائق الوهاجة أو يتدبرها إلا إذا مضى رجل منهم كبير بعمله كبير بآثاره.
لمثل ذلك اجتمع هذا الجمع. اجتمع بذكر رجلا كبيرا قضى نخبه لا حتف انفه ولكن في جهاد عظيم وقتال كبير وليس لعمري دمه إلا ذلك المداد الغزير الذي أجراه سيف القلم على صفحات المصنفات التي أفاء الله بها عليه من المعرب والمنشأ أريد المرحوم احمد فتحي زغلول. ليس أدل على إن هذا الرجل نابغة من اعتراف فضلاء الأمة له بالفضل ولا تزال