وأصواتهم ترن في أذاننا لقرب عهدنا باجتماعهم تكريما له وإجلالا لإعماله.
احتفلوا بالأمس بفضله واجتمعنا اليوم لتأبينه لا غرابة فالعواصف لا تصيب إلا الأشجار الباسقة والصواعق لا تنقض إلا على ما تسامى فوق الناس إلى السماء
والموت نقاد على كفه ... جواهر يختار منها الحسان
توفي المرحوم فتحي باشا ولو إن للهمة شفاعة أو لو إن العزيمة تقبل عدلا لكان أول الخالدين ولكن هذا أمر الله ولا راد لما قضى.
لو أردت إن أو في الرجل حقه من الوصف لما وسعني وقت ولما استغنيت بقلمي ولساني وحسبه رحمه الله السنة الخلق وأقلام الحق فقد وضعوه الموضع الذي هو به جدير.
لقد كان في كل ميدان فرس رهان - كان كما يقولون رجلا جامعا رجلا عموميا نبغ في المعقول والمنقول معا ومعه الأدب الجم تزينه البلاغة ويزنه المنطق الصحيح إلى العلم الغزير تثبته الحنكة وتؤيده قوة العارضة إلى صفات نادرة في تصريف الأمور.
كان كاتبا يرقص الأرواح بكتابته طربا وخطيبا لو قام بين وحوش علم الضاريات بر النقاد. كانت له باع طولي وذوق سليم في كل شيء يجمع إلى هذا كله شغفا غريبا بحسن التنسيق والتنظيم
وليس على الله بمستنكر ... إن يجمع العالم في واحد
ليس من قصدي إن اشرح حياة الرجل كلها فهذا ما ليس لي فيه مطمع وإنما أردت إن اذكر ما يحتمله المقام من ذلك. أردت إن يعرض قومه جنوده التي جاهد بها وعدد التي اعتد بها - كما تعرض الجيوش في لحظة ليتعرفوا. لم؟ لان لقوته صلب المعضلات واستقامت لغمزته قناة المشكلات. . .
وبعد إن أجمل حياته القضائية حتى أصبح وكيلا لنظارة الحقانية وكانت هذه أخر عهد له بالوظائف قال: لست أبالغ إذا قلت إن جهاده في عام من أعوامها يقصر دونه جهاد رجال في أعوام. لم يقتصر همته على أعمالها الكثيرة العظيمة بل كنت تجده عاملا في كل شان من الشؤون العامة.
له في نظارة الحقانية فضل المشاركة والمعاونة في وضع كل القوانين التي وضعت في عهده وهي كثيرة وفي الدرجة الأولى من المكانة واليه وحده يرجع الفضل كله في وضع