واندمجوا في غيرهم فتأمركوا وإذ كانت الولايات المتحدة حتى اليوم مجموعة جنسيات ولغات مختلفة لأن الهجرة إليها لم تنقطع بعد فإن الجيل القادم أو الذي بعده يصبح أميركياً لا محالة بعاداته وأخلاقه ولغته والتعريب أيضاً يقاس على هذا المقياس فقد انتشرت العربية من أقصى الشمال الغربي من أفريقية إلى أوسطها إلى تخوم فارس بقوتين قوة الدين الذي يقضي على من يدين به أن يتعلم اللسان العربي لأن صلاته ومناسكه كلها عربية والقوة الثانية قوة المصلحة لأن الأمم المغلوبة وجدت مصلحتها في الأخذ بلسان الفاتحين ومهما حافظ القليل وسط الكثير على إرثه الطبيعي من حب قوميته ولغته فإن هذا الحب يضعف فيه مع الزمن ولذلك لامناص من تأمرك عرب نيويورك وبونس ايرس مهما طال عليهم الزمن وكذلك الحال في بقايا من العرب المصريين انقطعوا من جيش إبراهيم باشا المصري لما أوغل في صميم آسيا الصغرى فاتحاً فمنهم لا يزالون إلى اليوم في لواء أنطاكية من أعمال قومية عرباً ومع هذا فالأمل ضعيف جداً في بقائهم على عربتيهم فأما أن يصبحوا أرواماً بلغتهم كما أصبح مسلمو كريت أو أتراكاً. والتركية والرومية تنازعانهم هناك. ومثل ذلك يقال في المهاجرين الجركس والششن والطاغستانيين والأتراك الذين نزلوا ولايات سورية وبيروت وحلب واستوطنوها فأنهم لم يستطيعوا الاحتفاظ بقوميتهم ولسانهم أكثر من خمسين سنة وأخذنا نرى أولادهم وقد تعربوا مختارين أو مضطرين وهذا لما وقر في صدر كل مسلم من وجوب تعلم العربية ومن تنازل عن جنسيته ليتخذ العرب قومه لا يرى غضاضة عليه فيما أتى لأنه يكون خرج من شعب ليس له تاريخ مجيد كالعرب ولا لسان فيه كل أسباب المدنية كلسان العرب. العربية مرنة للغاية على الرغم مما يدعي صعوبتها بعض من لا يحبون أن يتعبون أنفسهم ولو أشهراً في تعليمها ولذلك يندمج فيها أهل العناصر الشرقية الأخرى أكثر مما يندمج أهلها في أهل تلك العناصر. وحال مصرفي هذا الشأن أدهش الأغرب أنك ترى الرومي والايطالي والنمساوي والمجري والأسباني والإنكليزي يكلمون المصريين بلهجتهم مع أنه ندر في الطبقة المستنيرة من المصريين من لا يحسن التكلم بلغة أوروبية مشتركة ولا سيما بالافرنسية والانكليزية كل هذا لأن المصلحة تقضي بأن يتعلم نزيل المصريين لسانهم يكلمهم على اختلاف طبقاتهم حتى أن انكلترا وضعت شرطاً على كل من يحب تقلد الوظائف في مصر والسودان من