الإمبراطورية الألمانية والثاني من دمشق قاعدة البلاد العربية. الأول كتب باللغة العربية وهو صادر عن أشهر باعة الكتب هناك يريدنا إن نبتاع منه كمية من المصاحف الشريفة التي جود طبعها في ألمانيا بمعرفة زمرة من أهل العلم وبعث إلينا بنموذج منها وقد رجانا في آخر كتابه أن نجيبه إن استحسنا باللغة الألمانية أو الانكليزية أو بالافرنسية لأنه يحسنها. إما الكتاب الثاني فهو من دمشقي نشأ في دمشق وتخرج من المدارس العليا وتعلم إحدى الصناعات الحرة وله غرض بإدارتنا فكتب إلينا كتاباً باللغة التركية فلما فضضناه أسفنا جداً ودفعناه لأول نظر إلى حامله وقلنا لصاحبك إن يكتب إلينا إن أحب لغتنا ولغته فإن وقتنا لا يتسع أن نترجم أفكار كل من يريد نشر شيء من اللغة التي يستحسنها أو يحسنها أو يزين له عقله التفاصح بها وجه الغرابة في الكتابين ظاهر لأدنى تأمل وهو أن رجلاً ألمانياً يريد أن يبيع نسخاً من الكتاب العزيز من مسلم في بلاد الإسلام فيخاطبه بلغته على بعد الديار وقلة من يكتب له بالعربية في بلاده والثاني مسلم عربي يكتب لعربي في صميم بلاد العرب باللغة التركية. فما هذه العناية من الأول وقلتها من الثاني: غربي يستعرب في الغرب وعربي يترك في بلاد العرب! من أضحك الأطوار أن تشاهد عربياً يكلم ابن جنسه أو يكاتبه بغير لغته لغير داع فكأن المتخاطبين يشيران بلسان الحال إلى إن اللسان الذي نتخاطب به أرقى من لساننا وأدل على علو كعبنا واستبطاننا أسرار المعارف في حين نرى أبناء المدينة الحديثة مهما بلغ من انحطاط أممهم وصغر عددها وقلة شأن تاريخها إذا خلوا بعضهم إلى بعض لا يتكلمون بغير لغتهم ولا يتكاتبون بسواها. وكم روى لنا السائحون إلى ديار الغرب منا أنهم كانوا يكلمون الانكليزي بالافرنسية وهم في غير الديار الانكليزية فإذا ما بلغت بهم السفينة إحدى مواني الجزائر البريطانية لا يعود ذاك الانكليزي ينطق بكلمة فرنسية. وقد سئل بعضهم في ذلك فقال نحن الآن في بريطانيا العظمى فلا يسوغ لنا أن نتكلم بغير لغتها وكذلك الألماني مع اللغة الانكليزية والفرنسية فإن معظم رجال التجارة والعلم في ألمانيا يحسنون إحدى هاتين اللغتين أو كليهما معاً فإذا دخلت عليهم في بلادهم يتجاهلونهما ليضطروك إلى التفاهم معهم بلغتهم ويحملوك على تعلم الألمانية من حيث تشاء أو لا تشاء. ولا نزال نعجب بصنيع علماء الشرقيات في هولا نده فإنهم طبعوا بضع مئات من كتب العرب في مطبعة ليدن الهولندية وجعلوا جميع حواشيها