ومقدماتها باللغة الهولندية مع أنه قل جداً من يعرف هذه اللغة من أهل أوروبا المجاورين لبلاد القاع. هذا والطابعون والناشرون موقنون بأن كتبهم لا تباع في هولندا فقط بل إنها تروج في ألمانيا وايطاليا والنمسا والمجر وإنكلترا وأميركا وفرنسا وروسيا وأسبانيا بل وفي غيرها من بلاد الشرق ولاسيما في بلاد العرب فلولا حبهم للسانهم لما رأيت تلك المقدمات والشروح إلا باللغة المشتركة بين الأمم في الغرب كالفرنسية مثلاً أوالغة العربية التي نشرا لكتاب برمته فيها والناشرون لأمثال هذه الكتب يكتبون بهاتين اللغتين على التحقيق أو بإحداهما قطعاً. إننا بزهدنا بلغتنا نزهد في قوميتنا وتاريخنا ومن لا ينتسب إلى أصله ينكره الفرع الذي يحاول أن يتقرب منه. إن عظمة العرب وعظمة مدينتهم وحسن بيانهم دع ما هناك من الروابط الدينية مما يدعونا إلى التناغي بلساننا والحرص على تعلمه وإيجاده التخاطب والتكاتب به غير مخلين بأصل من أصوله ما أمكننا ذلك لأن من المحمود. لى مشخصاته كان حرياً بأن لا يغار على أي عزيز ويستحق احتقار غيره. إننا نحبذ كل من يتقن منا لساناً أجنبياً حتى ولو حذق لغة مالطة لما في ذلك من الفائدة فكيف باللسان العثماني وحاجتنا إليه أمس ولكننا نحب أن تكون الميزة للساننا الشريف لأن الله جعل له هذا المقام المحمود. ومدنيتنا وتاريخنا ومجدنا أعظم باعث لكل من ضعفت فيهم أعصاب العصبية القومية أن ينزعوا من نفوسهم تلك المؤثرات التي فيها من الصغار والذل مالا يرضاه من عرف أمته ويريد أن يحيا بها. إن في تاريخ لغات الأمم المتمدنة لعهدنا أعظم محرض لنا على الاحتفاظ بلغتنا مهما كلفنا ذلك فقد رأينا الفلامندي في البلجيك يتفانى في بث لغته حتى جعل لها أدبيات وأقام لها شأناً في جنب اللغة بالافرنسية التي يتكلم بها نحو نصف أهالي بلجيكا وكذلك رأينا الهولندي والدانيماركي والسويدي والفنلندي من صغار شعوب الشمال في أوروبا يحتفظون بألسنهم ولم تكن منذ مائتي أو ثلاثمائة سنة بالتي يعرف لها شأن بين اللغات وأعظم معلم لنا في هذا الباب أهل بوهيميا من مملكة النمسا والمجر فإن لغتهم وهي لغة التشيك كادت تندثر من ألسن أهلها في القرن السابع عشر بما تغلب عليها من اللسان الجرماني فعاد أستاذان من أساتذة كلية براغ إلى أحيائها بنشرهما مخطوطاً في آدابها زعما أنه قديم وقيل أنهما واضعاه فبعد أن كان البوهيمي يكتب بالألمانية ويؤلف ويخطب بها والألمانية عنده لغة الصنائع والتجارة والأدب والتمثيل