للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الغريبة ونسوا ما لسلفنا من العلوم العربية وهم الضاربون بأوفر سهم في كل فن وعلم عاشق الغرب وأولعوا بلغته وصبغوا بصبغته ففسدت أخلاقهم وساءت آدابهم وصارت التفرنج لهم عادة وذكر أوروبا لهم عبادة وليت هؤلاء خفاف العقول قلد الأوروبيين بالشيء النافع والعمل الرافع لكنهم يقلدونهم بالأزياء واستحسان تبرج النساء وإذا نشر الواحد منهم مقالة في صحيفة توهم نفسه انه صار بها المفرد العلم واسترسل في بيان مضار هذه الفئة والغالب انه يتكلم في أناس مخصوصين وقال إن الله لا ينصرهم على عدوهم ما لم يقلع عن غيهم ويرجعوا إلى شريعتهم ويسلكوا سبيل السلف الصالح ويرحموا الله القائل لن يصلح أخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

وكل هذه الجمل حسنة في بالها لكنها تحتاج إلى تفصيل وان لم يكن الكتاب من موضوعها فان التفرنج مضر والاقتداء بالسلف وحده لا ينجينا من شرور هذا التيار المنهال علينا من مدينة الغرب الحديثة فإننا لو تلونا جميع ما خلفه الأجداد من إسفارهم وعملنا به لتستقيم لنا حال إلا إذا أخذنا منهم ما يفرض أخذه واقتبسنا من معلمينا الغربيين علومهم ولذلك نرى من درسوا في الغرب وكانوا على شيء من أدب النفس اعرف بما ينشل هذه الأمة من سقوطها من الذين يخاطبونها الحين بعد الأخر بالجمل الخطابية ويلبون على طريق النجاة ولا يهتدون ولو كتب لبلادنا إن تكون في أوضاعها إلى الجد لما شكا العالم الديني ولا العالم المدني من انحطاط الأخلاق والإيغال في المفاسد ولكن هذه الموبقات نراه منتشرة في الفئتين على السواء فئة المجددين وخصومها وبودقة المدنية تمحص وتنفي كما ينفي الكبر خبث الحديد إما الزبد فيذهب جفاء وإما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

شرح قصيدة ابن عبدون

لما اختلت بني أمية بالأندلس سنة ٤٢٧ وتفرق أهلها شيعا وتغلب في كل ناحية متغلب وتقيم المتغلبون ألقاب الخلافة من معتضد ومعتمد ومأمون ومستعين ومقتدر ومعتصم وموفق ومتوكل ألقاب وصفها الحسن ابن رشيق بقوله:

مما يزهدني في ارض اندلس ... سماع مقتدر فيها ومعتضد

ألقاب مملكة في غير موضعها ... كالهر يحكي انتفاخا صورة الأسد

وصار الأمر كما قال في المعجب في غاية الاخلوقة والفضيحة أربعة كلهم يتسمى بأمير