كذلك إذ تقدم نصراني كان في خدمة الأمير نجم الدين فقبل الأرض بين يدي السلطان الملك الناصر صلاح الدين ووالده نجم الدين والتفت إلى نجم الدين وقال له: يا مولاي هذا تأويل مقالتي لك بالأمس حين ولد هذا السلطان فضحك نجم الدين وقال: صدقت والله ثم أخذ في حمد الله وشكره والثناء عليه والتفت إلى الجماعة الذين حوله والقضاء والأمراء وقال: لكلام هذا النصراني حكاية عجيبة وذلك أنني ليلة رزقت هذا الولد يعني السلطان الملك الناصر أمني صاحب قلعة تكريت بالرحلة عنها بسبب الفعلة التي كانت من أخي شيركوه رحمه الله وقتله النصراني وكنت قد التفت القلعة وصارت لي كالوطن فثقل عليَّ الخروج منها والتحول عنها إلى غيرها واغتنمت لذلك وفي ذلك الوقت جاءني البشير بولادته فتشاءمت به وتطيرت لما جرى على ولم أفرح به لم استبشر وخرجنا من القلعة وأنا على طيرتي به لا أكاد أذكره ولا أسميه وكان هذا النصراني معي كتاباً فلما رأى ما نزل بي من كراهية الطفل والتشاءم به استدعى مني أن آذن له في الكلام فأذنت له فقال لي: يا مولاي قد رأيت ما قد حدث عندك من الطيرة بهذا الصبي وأي شيء له من الذنب وبما استحق ذلك منك وهو لا ينفع ولا يضر ولا يغني شيئاً وهذا الذي جرى عليك قضاء من الله سبحانه وقدر ثم ما يدر بك أن هذا الطفل يكون ملكاً عظيم الصيت جليل المقدار فعطفني كلامه عليه وها هو قد أوقفني على ما كان قاله فتعجب الجماعة من هذا الاتفاق وحمد السلطان ووالده الله سبحانه وشكراه.
ولما ملك نور الدين محمود بن زنكي دمشق لازم نجم الدين أيوب خدمته وكذلك ولده صلاح الدين. ونور الدين هذا تركي الأصل وهو صاحب الفضل الأول في تأسيس ملك الشام ومصر بحيث قوي على رد غارات الصليبيين ودفعهم عن الأرض المقدسة. فصلاح الدين يوسف ليس إذاً من أصل وضيع ولا من أصل رفيع جداً تعلم القدر الذي كان يتعلم أبناء الكبراء ونشأ نشأة دينية راقية وأخذ حسن الخلق والعدل والشجاعة والكرم عن أبيه نجم الدين أيوب بن شاذي وكان عدلاً مرضياً كثير الصلاة والصلات عزير الصدقات والخيرات يجب العلماء ربي في الموصل ونشأ شجاعاً باسلاً وخدم السلطان محمد بن ملكشاه فرأى منه أمانة وعقلاً وسداداً وشهامة فولاه قلعة تكريت فقام في ولايتها أحسن قيام وضبطها أكرم ضبط وأجلى من أرضها المفسدين وقطاع الطريق وأهل العيث حتى عمرت