أرضها وحسن حال أهلها وأمنت سبلها ثم أضيفت إليه ولايتها وكان نجم الدين عظيماً في أنفس الناس بالدين والخير وحسن السياسة وكان لا يمر أحد من أهل العلم والدين به إلا حمل إليه المال والضيافة الجليلة وكان لا يسمع بأحد من أهل الدين في مدينة إلا أنفذ إليه ما يستعين به على صلاح حاله.
وكان أسد الدين شيركوه أخو نجم الدين أيوب في قلعة تكريت مع أخيه وكان شجاعاً باسلاً مثل أخيه فاتفق أن أسد الدين نزل من القلعة يوماً لبعض شأنه ثم عاد إليها وكان بينه وبين كاتب صاحب القلعة قوارص وكان رجلاً نصرانياً فاتفق في ذلك اليوم أن النصراني صادف أسد الدين صاعداً إلى القلعة فعبث به بكلمة ممضة فجرد أسد الدين سيفه وقتل النصراني وصعد إلى القلعة وكان مهيباً فلم بتجاسر أحد على معارضته في أمر النصراني فبلغ بهروز صاحب قلعى تكريب ما جرى وحضر عنده من خوفه من جرأة أسد الدين وأنه ذو عشيرة كبيرة وإن أخاه نجم الدين قد استحوذ على قلوب الرعايا وأنه ربما كان منهما أمر تخشى عاقبته ويصعب استدراكه فكتب إلى نجم الدين ينكر عليه ما جرى من أخيه ويأمره بتسليم القلعة إلى نائب سيره صحبة الكتاب فأجاب نجم الدين إلى ذلك بالسمع والطاعة وقعد هو وأخوه عماد الدين بالموصل فأكرمهما واقطعهما الاقطاعات الحسنة ثم اتصلا بنور الدين محمود بن زنكي إلى أن أرسل أسد الدين شيركوه إلى مصر ومعه ابن أخيه صلاح الدين. وبنور الدين تخرج صلاح الدين فقد كان نور الدين يرى له ويؤثره ومنه تعلم صلاح الدين طرائق الخير وفعل المعروف والاجتهاد في أمور الجهاد وسافر صلاح الدين إلى مصر وهو كاره للسفر فجعله عمه أسد الدين شيركوه مقدم عسكره سنة تسع وخمسين وخمسمائة وكان صلاح الدين في السابعة والعشرين من عمره فعرف أسد الدين حال مصر وكشف أحوالها والدولة الفاطمية فيها مشرفة على الزوال وقد ضعفت جنيديتها ودب الفشل والهرم في البيت العبيدي وصارت خلافتهم ألعوبة في يد كل ذي قوة.
والسبب في دخول أسد الدين ومعه ابن أخيه صلاح الدين إلى مصر أن الوزير شاور هرب من مصر واستغاث في الشام بنور الدين من ضرغام بن عامر لأنه قهره وأخذ مكانه في الوزارة ولما وصل أسد الدين شيركوه وشاور إلى الديار المصرية واستولوا عليها الضرغام وحصل لشاور مقصوده وعاد إلى منصبه وتمهدت قواعده واستمرت أموره غدر