بأسد الدين شيركوه واستنجد بالفرنج عليه وحصروه في بلبيس وكان أسد الدين قد شاهد البلاد وعرف أحوالها وأنها مملكة بغير رجال تمشي الأمور فيها بمجرد الإيهام والمحال طمع في الاستيلاء عليها فبلغ شاوراً أن نور الدين قد زين له الاستيلاء على مصر وأن أسد الدين لا بد له من قصدها ثانية فكاتب الإفرنج وقرر معهم أنهم يجيئون إلى البلاد ويمكنهم منها تمكيناً كلياًَ ليعينوه على استئصال أعدائه فبلغ نور الدين وأسد الدين مكاتبة شاور للفرنج وما تقرر بينهم فخافا على الديار المصرية أن يملكوها ويملكوا بطريقها جميع البلاد فتجهز أسد الدين وأنفذ نور الدين معه العساكر وصلاح الدين في خدمة عمه أسد الدين شيركوه وكان توجههم من الشام في سنة ٥٦٢.
استولى أسد الدين على أزمة الوزارة وقتل شارواً الوزير قبله بأمر الخليفة الفاطمي جرياً على عادة أجداده في الوزارة وذلك في ربيع الأول سنة ٥٦٤ كان صلاح الدين يباشر الأمور مقرراً لها لمكان كفايته ودرايته وحسن رأيه وسياستهومات أسد الدين بعد شهرين وخمسة أيام من توليه الوزارة للعاضد الفاطمي فتولاها صلاح الدين بعده وتمهدن القواعد ومشى الحال على أحسن الأوضاع وبذل الأموال وملك قلوب الرجال وهانت عنده الدنيا فملكها وشكر نعمة الله تعالى عليه فتال عن الخمر وأعرض عن أسباب اللهو وتقمص بقميص الجد والاجتهاد ومن حين اسئب له الأمر مازال يشن الغارات على الفرنج إلى الكرك والشوبك وغيرهما من البلاد وغشي الناس من سحائب الأفضال والأنعام ما لم يؤرخ من غير تلك الأيام وهذا كله وهو وزير متابع القوم لكنه يقول بمذهب أهل السنة مارس في البلاد أهل الفقه والعلم والتصوف والدين وهو يكرم كل وافد ولا يخيب أحداً قصده.
بهذا الكرم والعقل دانت مصر لصلاح الدين وأصبح فيها الحاكم المتحكم واصطناع الفضلاء وتقريب العقلاء والأفضال على العلماء والشعراء من آكد الطرق في بلوغ المقصود وتهيئة أسباب الملك.
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ... فطالما استعبد الإنسان إحسان
ولما ثبتت قدم صلاح الدين في مصر وأزال المخالفين كما قال ابن الأثير وضعف أمر العاضد ولم يبق من العساكر المصرية أحد كتب إليه الملك العادل نور الدين محمود يأمره