من يحبك ويريد لك الخير مثلنا فقال: لا فقال: والله لو رأيت أنا وخالك شهاب الدين نور الدين بم يمكنا إلا أن نترجل له ونقبل الأرض بين يديه ولو أمرنا أن نضرب عنقك بالسيف لفعلنا فإذا كنا نحن هكذا فكيف يكون غيرنا وكل من تراه من الأمراء والعساكر لو رأى نور الدين وحده لم يتجاسر من الثبات على سرجه ولا وسعه إلا النزول وتقبيل الأرض بين يديه وهذه البلاد له وقد أقامك فيها وإن أراد عزلك سمعنا وأطعنا والرأي أن تكتب إليه كتاباً وتقول: بلغني أنك تريد الحركة لأجل البلاد فأي حاجة إلى هذا يرسل المولى نجاباً يضع في رقبتي منديلاً ويأخذني إليك فما ههنا من يمتنع عليك وقال بجماعته كلهم: قوموا عنا فنحن مماليك نور الدين وعبيده يفعل بنا ما يريد فتفرقوا على هذا وكتب أكثرهم إلى نور الدين بالخبر. ولما خلا أيوب بابنه صلاح الدين قال له: أنت جاهل قليل المعرفة تجمع هذا الجمع الكثير وتطلعهم على سرك وما في نفسك فإذا سمع نور الدين أنك عازم على منعه عن البلاد وجعلك أهم الأمور وأولاها بالقصد ولو قصدك لم تر معك أحداً من هذا العسكر وكانوا أسلموك إليه وأما بعد هذا المجلس فسيكتبون إليه ويعرفونه قولي وتكتب أنت إليه وترسل إليه في المعنى وتقول أي حاجة إلى قصدي يجيء نجاب يأخذني بحبل يضعه في عنقي فهو إذا سمع عدل عن قصدك واستعمل ما هو أهم عنده والأيام تندرج والله كل وقت في شأن. والله لو أراد نور الدين قصبة من قصب سكرنا لقاتلته أنا عليها حتى أمنعه أو أقتل. ففعل صلاح الدين ما أشار به والده فلما رأى نور الدين الأمر هكذا عدل عن قصده وكان الأمر كما قال نجم الدين أيوب وتوفي نور الدين ولم يقصده وملك صلاح الدين البلاد قال ابن الأثير وهذا كان من أحسن الآراء وأجودها.
هذا هو التوفيق الذي حالف صلاح الدين دخل مصر كارهاً مع عمه فصار قائد جندها ثم تولى وزارتها فملكها وقلب دولة العبيديين وكل ذلك بأخذه بالحزم في أموره واستشارته العقلاء من أهله ورجاله وكان من طبعه أن لا يبيت أمراً بدون مشورة هكذا كان منذ ابتدأ شاباً إلى أن استولى بعد وفاة نور الدين سنة ٥٦٩ على الشام إلى أن استخلص بيت المقدس من أيدي الإفرنج وطردهم من أكثر مدن ساحل الشام يعمل بقول بشار:
إذا بلغ الرأي النصيحة فاستعن ... برأي لبيت أو نصيحة حازم
ولا تستحب الشوري عليك عضاضة ... فإن الخوافي رافدات القوادم